شرح حديث "من همّ بحسنة ولم يَعملها..." - صفحه 186

المنويّات ، فإنّها منقطعة بانقطاع منويّها ، ومنويّها زماني منقطع وإن كانت هي خارجة عن الزمان ، غير داخلة تحت دور معدّل النهار ، بل لاتتحقّق إلّا بتحقّق منويّها ؛ فإنّه لاتكون الإرادة إلّا والمراد معها .
وكلام السائل إنّما يرد على النيّات الجزئيّة المنطبقة على الأعمال الجزئيّة المقدّرة بقدرها ؛ فإنّ العمل الجزئي إنّما هو تفصيل نيّة الجزئيّة ، فهي منقطعة بانقطاعه ، فلا إشكال في الأخبار ، ولا منافاة بينها .
ومن الأدلّة على بقاء تلك النيّات الكلّيّة وعدم انقطاعها بالموت ما أخبر اللّه عزّ اسمه عن الكفّار بقوله : «وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ* بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ»۱ ، فهم أظهروا الندم نفاقا لما انطوت عليه حقائقهم من لوازمها التي هي من دخان الجهل مع بقاء نيّاتهم الكلّيّة التي لزمتها نفوسهم وتغذت بها وظهرت بصفاتها ، ولذا كذّبهم اللّه تعالى ، فأخبر بأنّهم كاذبون في إظهار الندم ، وأنّ الذي حملهم على إظهار الندم نفاقا هو ظهور حقّيّة ما كذّبوا به وظهور كفرهم وضلالهم ، فأظهروا الندم تمنّيا لزوال العذاب عنهم بذلك ، وهو دليل على أنّهم لم يقلعوا عن نيّة التكذيب بآيات اللّه .
ويؤيّد أنّ تمنّيهم ذلك إنّما هو نفاق ما رواه العيّاشي في تفسير هذه الآية عن الصادق عليه السلام أنّها نزلت في بني اُميّة ، ۲ فإنّ المنافق في الدنيا منافق في الآخرة ، بل ومنافق في الذرّ ، فنفاقه في الذرّ لا يزايله في الدنيا والآخرة . وأنت إذا تأمّلت الكتاب والسنّة لم يعسر عليك الدلالة على هذا .
وبالجملة ، فخبر التخليد بالنيّات يُراد به النيّات الكلّيّة للمنويّ الكلّي ، وخبر الباب الدالّ على أنّه لا يؤاخذ بالنيّة المجرّدة عن العمل مخصوص بما فصّلناه ، وندامة الكافر والعاصي إذا لم يكن مؤمنا نفاق ، فسقط السؤال ، وانكشف الحال .

1.الأنعام(۶) : ۲۶ ـ ۲۸ .

2.تفسير القمّي ، ج ۱ ، ص ۱۹۶ ، ولم نعثر عليه في تفسير العيّاشي ذيل تفسير هذه الآية.

صفحه از 188