شرح حديث "من همّ بحسنة ولم يَعملها..." - صفحه 182

ثمّ قال رحمه اللّه تعالى :
وأنّ عشر أمثال الحسنة مضمونة البتّة ؛ لدلالة نصّ القرآن عليه ، وأنّ اللّه تعالى قد يضاعف لمن يشاء إلى سبعمائة ضعف ، كما جاء في بعض الأخبار ، وإلى ما لا يأخذه حساب ، كما قال تعالى : «إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ»۱ .
أقول : هذا كلّه حقّ ثابت بالإجماع والنصوص كتابا وسنّة ، وكرم اللّه ونعمته لا يحيط بها العادّون ؛ أدخلنا اللّه وإيّاكم في رحمته برحمته .
ثمّ قال رحمه الله :
بقي هنا شيء وهو أنّه سألني بعض الأفاضل عن وجه الجمع بين أحاديث هذا الباب وبين ما مرّ في باب النيّة عن الصادق عليه السلام قال : «إنّما خلّد أهل النار في النار لأنّ نيّاتهم كانت في الدنيا أن لو خلّدوا فيها أن يعصوا اللّه أبدا ، وإنّما خُلّد أهل الجنّة في الجنّة لأنّ نيّاتهم كانت في الدنيا أن لو بقوا فيها أن يطيعوا اللّه أبدا ، فبالنيّات خلّد هؤلاء وهؤلاء» . ثمّ تلا قوله تعالى : «قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ»۲ ، قال : «على نيّته» . ۳ فإنّه دلّ أحدهما على المؤاخذة بالنيّة ، ودلّ الآخر على عدم المؤاخذة بها . ۴
أقول : وجه الجمع لا يخفى على من أحاط علما بما أسلفناه ، وهو أنّ الحديث الدالّ على المؤاخذة بالنيّة والخلود بها محمول على النيّة المستقرّة الدائمة ، بحيث إنّه ناوٍ أبدا أنّه متى تمكّن من فعل المنويّ وزال المانع القهري من فِعْلها فَعَلَها أبدا ، وهي هذه النيّات الكلّيّة التي هي من أعمال القلب ولوازمه ، ومنويّها كلّي لا يفارقها ، وهو الصورة القائمة بالنفس التي تظهر النفس بصورتها .
وهذا الخبر وشبهه ـ ممّا دلَّ على عدم المؤاخذة بالنيّة إذا لم يفعل المنويّ ـ محمول على الترك الاختياري وإن لم يكن عن ندم ، وهو النيّة الجزئيّة للمنويّ الجزئي ، فإنّه حينئذٍ لايتحقّق معه بقاء النيّة ، ولا يحكم عليه حينئذٍ أنّه ناوٍ إلّا مجازا كما هو الحقّ ، فلا

1.شرح اُصول الكافي ، ج ۱۰ ، ص ۱۶۳ ـ ۱۶۴. و الآية في سورة الزمر(۳۹) : ۱۰ .

2.الإسراء (۱۷) : ۸۴ .

3.المحاسن ، ج ۲ ، ص ۳۳۰ ، ح ۹۴ ؛ الكافي ، ج ۲ ، ص ۸۵ ، باب النيّة ، ح ۵ ؛ علل الشرائع ، ج ۲ ، ص ۵۲۳ ، ح ۱ ؛ وسائل الشيعة ، ج ۱ ، ص ۵۰ ، ح ۹۶.

4.شرح اُصول الكافي ، ج ۱۰ ، ص ۱۶۴.

صفحه از 188