شرح حديث "من همّ بحسنة ولم يَعملها..." - صفحه 179

فيكون مقصود الخبر وأمثاله إنّما هو توطين النفس على فعل الطاعة ، أو فعل المعصية ؛ لأنّه الذي يتحقّق معه نيّة ومنويّ يفعل أو لا يفعل ، ولا يظهر في توطين النفس على الترك نيّة ومنويّ يغايرها كذلك ؛ لأنّه عدم وسكون ، والنيّة أمرٌ وجوديّ ، وحركة نفسانيّة ، وعمل غيبي محدث بنفسه ، فلايحتاج في وجوده إلى نيّة اُخرى ، وإلّا لم يوجد عمل ؛ لما يلزمه من الدور أو التسلسل ، وإنّما هي مشيئة مستقرّة متأكّدة وهي المعبّر عنها بالإرادة ، وتوطين النفس على الترك إنّما هو إقبال على الحقّ أو إدبار عنه .
وما عزاه الكثير من الأصحاب لظاهر هذه الأخبار يدلّ على أنّهم إنّما فهموا من الأخبار إرادة النيّة ـ التي فسّروها بتوطين النفس ـ يعنون بها المشيئة المتأكّدة المسمّاة بالإرادة ، ولكنّه ليس على إطلاقه ، بل الحقّ ما فصّلناه .
وكذلك ما عزاه لأكثر العامّة والمتكلِّمين والمحدِّثين ليس على إطلاقه ، وإنّما الحقّ ما فصّلناه .
فإطلاق القولين ممنوع ؛ لما عرفت .
وأمّا أنّه حينئذٍ إنّما يؤاخذ بسيّئة العزم لا بسيّئة المعزوم عليه لأنّها لم تفعل ، فحقّ ؛ لأنّ اللّه لايؤاخذ العبد بما لم يعمل ؛ لعدله وسعة رحمته ، لكن إذا استقرّ العزم على الفعل ولم يحصل عنه إقلاع وإعراض عن توبة وندم أو غيرها ، بل إذا تعقّبه الفعل أو حال بينه وبين الفعل حائل قهري مع بقاء العزم واستقراره على الفعل ، ما أمكن كما مرَّ تفصيله ، وذلك ما قام عندي عليه الدليل عقلاً ونقلاً .
وأمّا الاستدلال على هذه الدعوى بثبوت العذاب على الذين يحبّون أن تشيع الفاحشة ، والأمرِ باجتناب كثير من الظنّ ، وتحريم الحسد ، فليس فيه من الدلالة على المدّعى شيء بوجه ؛ إذ ليس شيء ممّا ذكر من باب نيّة الطاعة والمعصية ، وإنّما هو من باب الأخلاق الذميمة ، والصفات الخبيثة ، والطبائع المؤوفة المنحرفة عن الفطرة ، والفرق بين النيّات والطبائع الناشئة عنها الأخلاق والصفات النفسانيّة الذميمة المعوّجة ظاهر لايخفى .
وأمّا إرادة المكروه بالناس ، فإن كان بمعنى أنّه يجب أن تقع المكاره بالناس والبلايا

صفحه از 188