وأيضا فقوله : «أو أن لا تفعل» على العكس من ذلك في كلّ منهما ، فالترك لما يوافق المطمئنّة معصية ، ولما يوافق الأمّارة طاعة ، وكلامه كلّه مجمل متشابه غير مبيّن .
وأيضا فقوله : «فإن كان ذلك» ، الإشارة محتملة للموافق فعلاً وتركا ، وللمخالف كذلك ، فالعبارة متشابهة مجملة .
وأمّا المعنى ، فإنّه إن كان هذا الهمّ المفسّر بحديث النفس أن تفعل أو لا تفعل اختيارا ليس معه نيّة ، فلا تعقل الفرق بينه وبين الأوّل ، والأوّل لا ثواب فيه ولا عقاب ، وإلّا لزم التكليف بالمحال ؛ لأنّه لا عن اختيار كما هو الظاهر من عبارته.
وإن كانت النيّة متحقّقة معه ، فلا تعقل الفرق بينه وبين الثالث ، مع أنّه ادّعى الإجماع بظاهر عبارته ، على أنّه يُثاب حينئذٍ على الهمّ كذلك بالطاعة ، وعدم العقاب على الهمّ كذلك بالمعصية ما لم يفعلها ، بل ظاهر عبارته أنّه لا يعاقب على ذلك الهمّ أصلاً .
نعم ، إن عمل ما همَّ به كذلك من المعصية ، كتبت عليه تلك المعصية دون الهمّ بها ، وهذا كلّه بإطلاقه ممنوع ؛ لما عرفت .
ثمّ إنّه بظاهره حمل أخبار الباب على هذا ، وحمْل الخبر المذكور على هذا من غير أن يتحقّق معه نيّة ممنوع ؛ لما عرفت ، ولظهور منافاة العدل في إثابته على ما لم يعمل ولم ينوِ ، ومع تحقّق النيّة معه نمنع إطلاق القول بعدم العقاب على ما نوى ، بل فيه ما مرَّ من التفصيل .
وإن أراد بهذا القسم مبادئ النيّة وأوّل ظهورها في النفس بأن تكون حينئذٍ مشيئة مطلقة من غير إرادة ، فهذه مرتبة معدّة لحصول النيّة وليست بنيّة ، فلا نسلّم ترتّب الثواب والعقاب عليها ، ولا يمكن حمل الخبر عليها ؛ لغموض معناها وغموض الفرق بينها وبين النيّة التي يترتّب عليها الثواب أو العقاب ، ولا يخاطب الشارع عامّة المكلّفين بمعرفة مثلها ، ولا يترتّب عليها تكليفهم .
وبالجملة ، فهذا القسم إن تحقّقت معه النيّة اتّحد بالثالث ، وجرى فيه ما مرّ من التفصيل ، وإلّا منعنا حمل الخبر عليه ، ولا نعقل قسما ثالثا بين الأوّل والثالث إلّا ما