شرح حديث "من همّ بحسنة ولم يَعملها..." - صفحه 176

تفصيل المقام : أنّ ما في النفس ثلاثة أقسام :
الأوّل : الخطرات التي لا تقصد ولا تستقرّ. وقد مرّ أنّه لا مؤاخذة بها ، ولا خلاف فيه بين الاُمّة . ۱
أقول : إن أراد ـ كما هو الظاهر وبمعونة تقييده الثاني بالاختيار ـ مجرّدَ تصوّر الطاعة أو المعصية عموما أو خصوصا أو معناها أو كيفيّة فعلها أو الخطرات التي تخطر على النفس قهرا من غير همّ بها وعزم على فعلها ، فلا شكّ أنّه لا يؤاخذ بتصوّر المعصية كذلك ، ولا يُثاب بتصوّر الطاعة حينئذٍ كذلك ؛ إذ ليس هذا من عمل القلب ولا البدن ، والنصّ والإجماع وقواعد العدل تدلّ على ذلك .
أمّا لو خطر بباله فعل الطاعة وحسنها ليأمر بها أو لينوي فعلها ، اُثيب ، وكذا لو خطر بباله فعل المعصية وخبثها لنهى عنها وينتهي ، اُثيب بتلك الأدلّة القاطعة ، ولو خطر بباله فعل المعصية ليأمر بها أو يأتمر لو طلب معرفتها لذلك ، أثم وعوقب ؛ لما مرّ .
ثمّ قال رحمه الله :
الثاني : الهمّ ، وهو حديث النفس اختيارا أن تفعل ما يوافقها أو يخالفها ، أو أن لا تفعل ، فإن كان ذلك حسنة كتبت له حسنة واحدة ، فإن فعلها كتبت له عشر حسنات ، وإن كانت سيّئة لم تُكتب عليه ، فإن فعلها كُتبت عليه سيّئة واحدة .
كلّ ذلك مقتضى أحاديث هذا الباب ، ولا خلاف فيه أيضا بين الاُمّة إلّا أنّ بعض العامّة صرّح بأنّ هذه الكرامة مختصّة بهذه الاُمّة ، وظاهر هذا الحديث أنّها في الاُمم السابقة أيضا . ۲
أقول : هذه العبارة من المتشابه لفظا ومعنىً :
أمّا اللفظ ، فإنّه لم يفصح عن الموافق لها هل الطاعة أو المعصية ، وكلّ منهما قابل للأمرين ؛ فإنّ النفس إن كانت مطمئنّة ، فالذي يوافقها ذاتا وصفةً وهيئةً ولونا ورائحةً وطعما وطبعا ونوعا وصنفا هو الطاعة ، والمعصية تخالفها في ذلك كلّه ، وإن كانت أمّارة فعلى العكس في ذلك كلّه . وهو رحمه الله قد أجمل ذكر النفس .

1.شرح اُصول الكافي ، ج ۱۰ ، ص ۱۶۲.

صفحه از 188