والظاهر أنّ المراد منها النيّة التي قد استدام عزمه على أن يفعل منويَّها ما أمكنه ، فهذه من أعمال القلب التي لا تنقطع ولو حال دون عمل منويّها الموتُ ؛ لأنّهما كلّيان ، كما أخبر اللّه عن أهل النار بقوله : «وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ»۱ ؛ يعني في قولهم : أرجعنا نعمل صالحا غير الذي كنّا نعمل ، ۲ فدلّ ظاهر الآية على أنّ أهل النار مؤاخذون بنيّاتهم التي ما اُقلعوا عنها ، وظاهرها يعمّ نيّات الكفر والمعاصي .
ويدلّ عليه أيضا ظاهر قوله تعالى : «وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ»۳ ، حيث علّق التعذيب على الإرادة .
ومن الأخبار التي تؤيّد هذا الظاهر ما في الكافي عن جعفر بن محمّد عليهماالسلام في هذه الآية أنّه قال : «إنّها نزلت فيهم حيث دخلوا الكعبة ، فتعاهدوا وتعاقدوا على كفرهم وجحودهم بما نزل في أمير المؤمنين عليه السلام ، فألحدوا في البيت بظلمهم الرسولَ و وليّه ، فبُعدا للقوم الظالمين» . ۴
فإنّ الظاهر أن يتوهّم إنّما أرادوا أن يفعلوا ظاهرا بعد موت الرسول صلى الله عليه و آله فإنّهم على ذلك منذ كلّفوا باطنا في عقائدهم ونيّاتهم ، فأخبر اللّه تعالى أنّهم ذائقوا العذاب الأليم بمجرّد تلك النيّة والعزم الذي تعاهدوا عليه في الكعبة .
ومن الأخبار أيضا عموم ما جاء عنهم عليهم السلام : «أنّ مَن أسرّ سريرةً ردّاه اللّه رداها» . ۵
ومنها ما جاء عنهم عليهم السلام : «إنّ الإنسان إذا همَّ بكذبة تباعد عنه المَلكان ميلاً لنتن ما يخرج من فيه» ۶ إذ ذلك النتن إنّما هو ظلمة المعصية وبعض صفاتها الذميمة .
1.الأنعام (۶) : ۲۸ .
2.اشارة إلى الآية ۱۲ من سورة السجدة ، و الآية ۳۷ من سورة الفاطر.
3.الحجّ (۲۲) : ۲۵ .
4.الكافي ، ج ۱ ، ص ۴۲۱ ، باب فيه نكت و نتف من التنزيل في الولاية ، ح ۴۴ ؛ بحارالأنوار ، ج ۲۳ ، ص ۳۷۶ ، ح ۵۹.
5.الكافي ، ج ۲ ، ص ۲۹۴ ، باب الرياء ، ح ۶ ؛ وسائل الشيعة ، ج۱ ، ص ۵۷ ، ح ۱۱۸.
6.رواه الطبراني بسنده في المعجم الأوسط ، ج ۷ ، ص ۲۴۵ ؛ و ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة ، ج ۶ ، ص ۳۵۷ ؛ والسيوطي في الجامع الصغير ، ج ۱ ، ص ۱۲۹ ، ح ۸۴۰ ، بتفاوت يسير في الكلّ.