خزي من قال : «سلوني» غير النبيّ والإمام
  ۵۶۴۰.العلّامة الأميني قدس سره في الغدير :لَم أرَ فِي التّاريخِ قَبلَ مَولانا أميرِ المُؤمِنينَ مَن عَرَضَ نَفسَهُ لِمُعضِلاتِ المَسائِلِ وكَراديسِ الأَسئِلَةِ ، ورَفَعَ عَقيرَتَهُ ۱ بِجَأشٍ رابِطٍ بَينَ المَلَاَء العِلمِيِّ بِقَولِهِ : سَلوني ، إلّا صِنوَهُ النَّبِيَّ الأَعظَمَ ؛ فَإِنَّهُ صلى الله عليه و آله كانَ يُكثِرُ مِن قَولِهِ : «سَلوني عَمّا شِئتُم» ، وقَولِهِ : «سَلوني ، سَلوني» ، وقَولِهِ : «سَلوني ، ولا تَسأَلونّي عَن شَيءٍ إلّا أنبَأتُكُم بِهِ» . فَكَما وَرِثَ أميرُ المُؤمِنينَ عِلمَهُ صلى الله عليه و آله وَرِثَ مَكرُمَتَهُ هذِهِ وغَيرَها ، وهُما صِنوانٌ فِي المَكارِمِ كُلِّها . 
 وما تَفَوَّهَ بِهذَا المَقالِ أحَدٌ بَعدَ أميرِ المُؤمِنينَ عليه السلام إلّا وقَد فُضِحَ ووَقَعَ في رَبيكَةٍ ۲ ، وأماطَ بِيَدِهِ السِّترَ عَن جَهلِهِ المُطبِقِ ، نُظَراءُ : 
 1 ـ إبراهيم بن هِشامِ بنِ إسماعيلَ بنِ هشامِ بنِ الوَليدِ بنِ المُغيرَةِ المَخزومِيّ القُرَشِيّ والي مَكَّةَ وَالمَدينَةِ وَالمَوسِم لِهِشامِ بنِ عَبدِ المَلِكِ ، حَجَّ بِالنّاسِ سَنَةَ (107) ، وخَطَبَ بِمِنى ، ثُمَّ قالَ : سَلوني ؛ فَأَنَا ابنُ الوَحيدِ ، لا تَسأَلوا أحدا أعلَمَ مِنّي ! 
 فَقامَ إلَيهِ رَجُلٌ مِن أهلِ العِراقِ ، فَسَأَلَهُ عَنِ الاُضحِيَّةِ أ واجِبَةٌ هِيَ ؟ فَما دَرى أيَّ شَيءٍ يَقولُ لَهُ ، فَنَزَلَ عَنِ المِنبَرِ ۳ . 
 2 ـ مُقاتِلُ بنُ سُلَيمانَ : قالَ إبراهيمُ الحَربِيُّ : قَعَدَ مُقاتِلُ بنُ سُلَيمانَ فَقالَ : سَلوني عَمّا دونَ العَرشِ إلى لويانا ۴ ! 
 فَقالَ لَهُ رَجُلٌ : آدَمُ حينَ حَجَّ مَن حَلَقَ رَأسَهُ ؟ 
 قالَ : فَقالَ لَهُ : لَيسَ هذا مِن عَمَلِكُم ، ولكَنَّ اللّهَ أرادَ أن يَبتَلِيَني بِما أعجَبَتني نَفسي ! ۵
 3 ـ قالَ سُفيانُ بنُ عُيَينَةَ : قالَ مُقاتِلُ بنُ سُلَيمانَ يَوما : سَلوني عَمّا دونَ العَرشِ ! 
 فَقالَ لَهُ إنسانٌ : يا أبَا الحَسَنِ ، أرَأَيتَ الذَّرَّةَ أوِ النَّملَةَ أمعاؤُها في مُقَدَّمِها أو مُؤَخَّرِها ؟ 
 قالَ : فَبَقِيَ الشَّيخُ لا يَدري ما يَقولُ لَهُ . قالَ سُفيانُ : فَظَنَنتُ أنَّها عُقوبَةٌ عوقِبَ بِها ۶ . 
 4 ـ قالَ موسَى بنُ هارونَ الحَمّالُ : بَلَغَني أنَّ قَتادَةَ قَدِمَ الكوفَةَ ، فَجَلَسَ في مَجلِسٍ لَهُ وقالَ : سَلوني عَن سُنَنِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله حَتّى اُجيبَكُم . 
 فَقالَ جَماعَةٌ لِأَبي حَنيفَةَ : قُم إلَيهِ فَسَلهُ . فَقامَ إلَيهِ فَقالَ : ما تَقولُ يا أبَا الخَطّابِ في رَجُلٍ غابَ عَن أهلِهِ فَتَزَوَّجَتِ امرَأَتُهُ ، ثُمَّ قَدِمَ زَوجُهَا الأَوَّلُ فَدَخَلَ عَلَيها وقالَ : يا زانِيَةُ ، تَزَوَّجتِ وأنَا حَيٌّ ؟ ! ثُمَّ دَخَلَ زَوجُهَا الثّاني فَقالَ لَها : تَزَوَّجتِ يا زانِيَةُ ولَكِ زَوجٌ ؟ ! كَيفَ اللِّعانُ ؟ 
 فَقالَ قَتادَةُ : قَد وَقَعَ هذا ؟ 
 فَقالَ لَهُ أبو حَنيفَةَ : وإن لَم يَقَع نَستَعِدُّ لَهُ ! 
 فَقالَ لَهُ قَتادَةُ : لا اُجيبُكُم في شَيءٍ مِن هذا ؛ سَلوني عَنِ القُرآنِ . 
 فَقالَ لَهُ أبو حَنيفَةَ : ما تَقولُ في قَولِهِ عَزَّ وجَلَّ : «قَالَ الَّذِى عِندَهُو عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَـبِ أَنَا ءَاتِيكَ بِهِى»۷ ؛ مَن هُوَ ؟ 
 قالَ قَتادَةُ : هذا رَجُلٌ مِن وُلدِ عَمِّ سُلَيمانَ بنِ داوودَ ؛ كانَ يَعرِفُ اسمَ اللّهِ الأَعظَمَ . 
 فَقالَ أبو حَنيفَةَ : أكانَ سُلَيمانُ يَعلَمُ ذلِكَ الاِسمَ ؟ 
 قالَ : لا . 
 قالَ : سُبحانَ اللّهِ ! ويَكونُ بِحَضرَةِ نَبِيٍّ مِنَ الأَنبِياءِ منَ هُوَ أعلَمُ مِنهُ ؟ ! 
 قالَ قَتادَةُ : لا اُجيبُكُم في شَيءٍ مِنَ التَّفسيرِ ؛ سَلوني عَمَّا اختَلَفَ النّاسُ فيهِ . 
 فَقالَ لَهُ أبو حَنيفَةَ : أمؤمِنٌ أنتَ ؟ 
 قالَ : أرجو . 
 قالَ لَهُ أبو حَنيفَةَ : فَهَلّا قُلتَ كَما قالَ إبراهيمُ فيما حَكَى اللّهُ عَنهُ حينَ قالَ لَهُ : «أَوَ لَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى»۸ . 
 قالَ قَتادَةُ : خُذوا بِيَدي ؛ وَاللّهِ لا دَخَلتُ هذَا البَلَدَ أبَدا ! ۹
 5 ـ وحُكِيَ عَن قَتادَةَ أ نَّهُ دَخَلَ الكوفَةَ فَاجتَمَعَ عَلَيهِ النّاسُ ، فَقالَ : سَلوا عَمّا شِئتُم ، وكانَ أبو حَنيفَةَ حاضِرا وهُوَ يَومَئِذٍ غُلامٌ حَدَثٌ ، فَقالَ : سَلوهُ عَن نَملَةِ سُلَيمانَ أكانَت ذَكَرا أم اُنثى ؟ فَسَأَلوهُ فَاُفحِمَ . 
 فَقالَ أبو حَنيفَةَ : كانَت اُنثى . فَقيلَ لَهُ : كَيفَ عَرَفتَ ذلِكَ ؟ فَقالَ : مِن قَولِهِ تَعالى : «قَالَتْ»۱۰ ، ولَو كانَت ذَكَرا لَقالَ : قالَ نَملَةٌ ؛ مِثلُ الحَمامَةِ وَالشّاةِ في وُقوعِها عَلَى الذَّكَرِ وَالاُنثى ۱۱ . 
 6 ـ قالَ عُبَيدُ اللّهِ بنُ مَحَمَّدِ بنِ هارونَ : سَمِعتُ الشّافِعِيَّ بِمَكَّةَ يَقولُ : سَلوني عَمّا شِئتُم اُحَدِّثكُم مِن كِتابِ اللّهِ وسُنَّةِ نَبِيِّهِ . 
 فَقيلَ : يا أبا عَبدِ اللّه ، ما تَقولُ في مُحرِمٍ قَتَلَ زُنبورا ؟ 
 قالَ : «وَ مَآ ءَاتَـلـكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ»۱۲۱۳ . ۱۴
                         
                        
                            1.العَقِيْرة : الصَّوْت (النهاية : ج ۳ ص ۲۷۵ «عقر») .
2.يقال : اِرْتَبَك الرجلُ في الأمر : أي نَشِب فيه ولم يَكَدْ يتخلّص منه . وارْتَبَك في كلامه : تَتَعْتَعَ (اُنظر لسان العرب : ج ۱۰ ص ۴۳۱ «ربك») .
3.راجع : تاريخ دمشق : ج ۷ ص ۲۶۱ ح ۵۳۵ وتاريخ الطبري : ج ۷ ص ۵۳ .
4.كذا في المصدر .
5.راجع : تاريخ بغداد : ج ۱۳ ص ۱۶۳ الرقم ۷۱۴۳ وتهذيب الكمال : ج ۲۸ ص ۴۴۷ الرقم ۶۱۶۱ .
6.راجع : تاريخ بغداد : ج ۱۳ ص ۱۶۶ الرقم ۷۱۴۳ وتهذيب الكمال : ج ۲۸ ص ۴۴۷ الرقم ۶۱۶۱ .
7.النمل : ۴۰ .
8.البقرة : ۲۶۰ .
9.راجع : الانتقاء لابن عبد البرّ : ص ۱۵۶ .
10.النمل : ۱۸ .
11.راجع : حياة الحيوان الكبرى : ج ۲ ص ۳۶۸ والكشّاف : ج ۳ ص ۱۳۷ وفيض القدير : ج ۴ ص ۶۷۳ وبحار الأنوار : ج ۱۴ ص ۹۵ .
12.الحشر : ۷ .
13.راجع : تذكرة الحفّاظ : ج ۲ ص ۷۵۵ الرقم ۷۵۶ والسنن الكبرى : ج ۵ ص ۳۴۷ الرقم ۱۰۰۵۵ .
14.الغدير : ج ۶ ص ۱۹۵ .