نعم! لقد كانوا أهل جدال ومناظرة وأصحاب كلام ومناقشة، وكانوا لايشنّعون على مخالفيهم لأجل تلك الروايات، ولا يتّهمون رواتها بأنّهم يعتقدون بتحريف القرآن، واستمرّوا على هذا المنوال، في مقام المجادلة والمناظرة مع علم كلّ فريق منهم بأنّ هذا الاعتراض لو صدر فهو واهٍ سخيفٌ، لايقوم على ساق .
ولاننكر ما قاله الرافعي من أنّه : ذهب جماعةٌ من أهل الكلام ممّن لاصناعة لهم إلّا الظنّ، والتأويل، واستخراج الأساليب الجدليّة من كلّ حكم وكلّ قولٍ، إلى جواز أن يكون قد سقط عنهم من القرآن شي ءٌ، حملاً على ما وصفوا من كيفية جمعه» ۱ .
ومع ذلك بقيتْ تلك الروايات والمجادلات مدفونةٌ في بطون الكتب و مخازن المكتبات، لايُقام لها وزنٌ عند العلماء المحقّقين من الفريقين .
ولكنّ الوضع تحوّل دفعةً في فبراير سنة 1979م بعد نجاح الثورة وقيام الجمهورية الإسلاميّة في إيران تحت قيادة الإمام الراحل الخمينيّ (رضوان اللَّه عليه) والعلماء الأعلام، تلك القيادة الفذّة الوحيدة التي لايوجد لها نظيرٌ في التاريخ .
ولو كانت تلك الثورة أدّت إلى إقامة دولةٍ منقادةٍ لِقُوى الاستكبار الغربية أو الشرقية، لرحّب بها المستكبِرون - أو سامحوها ، على الأقلّ - حتّى ولو كانت هي دولةً ديكتاتوريّةً، ولكن قادة الثورة الإسلامية، وبالعكس من السياسة المعهودة إلى ذلك الأوان، أعلنوا أنّهم يتّبعون خطّ الإسلام فقطْ ويتّبون أَثَرَه .
ثمّ نادَوا بِشعار الوحدة الإسلاميّة، ذلك الشعار الذي حسبته القوى الاستكباريّة جرس الخطر لمصالحها .
ولكن المسلمين تقبّلوها بالترحيب في أقطار العالم من المراكش إلى الفليبين، ومن أوربا إلى ؤمريكا، وشهدت الجماهير المضطهدة في أنحاء العالم بأمّ أعينها: كيف
1.الرافعي: إعجاز القرآن (ص ۴۱)