دور أهل البيت (ع) في تصحيح الفكر و العقيدة - صفحه 52

فيا عجباً! بينا هو يستقيلها في حياته، إذ عقدها لآخر بعد وفاته ! لشدّ ما تشطّرا ضرعيها، فصيّرها في حوزة خشناء، يغلظ كلمها، ويخشن مسّها، ويكثر العثار فيها، والاعتذار منها، فصاحبها كراكب الصعبة، إن أشنق لها خرم، وإن أسلس لها تقحّم، فمني الناس - لعمر اللَّه - بخبط وشماس، وتلوّن واعتراض.
فصبرت، على طول المدة، وشدّة المحنة، حتى إذا مضى لسبيله، جعلها في جماعة زعم أني أحدهم ! فيا للَّه وللشورى، متى اعترض الريب فيَّ مع الأول منهم حتى صرت أُقرن إلى هذه النظائر ! لكنّي أسففت إذ أسفوا، وطرت إذ طاروا. فصغا رجل منهم لضغنه، ومال الآخر لصهره، مع هنٍ وهنٍ، إلى أن قام ثالث القوم نافجاً حضنيه، بين نثيله ومعتلفه. وقام معه بنو أبيه، يخضمون مال اللَّه خضمة الإبل نبتة الربيع، إلى أن انتكث عليه فتله، وأجهز عليه عمله، وكبت به بطنته.
فما راعنى إلا والناس كعرف الضبع إلي، ينثالون علي من كلّ جانب، فلمّا نهضت بالأمر، نكثت طائفة، ومرقت أخرى، وقسط آخرون، كأنّهم لم يسمعوااللَّه سبحانه يقول: (تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علواً في الأرض ولا فسادًا والعاقبة للمتقين )۱ بلى واللَّه، لقد سمعوها ووعوها، ولكنّهم حليت الدنيا في أعينهم، وراقهم زبرجها...
إلى آخر خطبته عليه السلام حتى قام إليه رجل من أهل السواد فناوله كتاباً، فقال له ابن عباس: يا أمير المؤمنين، لو اطردت خطبتك من حيث أفضيت. فقال عليه السلام: هيهات يا بن عباس، تلك شقشقة هدرت، ثمّ قرّت. قال ابن عباس: فواللَّه ما أسفت على كلام قطّ، كأسفي على هذا الكلام ألا يكون أمير المؤمنين عليه السلام بلغ منه حيث أراد ۲ .

1.القصص: ۲۸/ ۸۳

2.نهج البلاغة: ۴۸ - الخطبة ۳

صفحه از 107