موقف الحشوية من مصادر الفكر الإسلامي الحدیث و القرآن - صفحه 37

والمحيّر للعقل أنّ المسلمين اتّبعوا مذهب أبي حنيفة في القرن الثاني للهجرة ،
ودعي هذا الإمام ليتولّى رئاسة القضاء في الدولة ! فأبى ، فتولاّها صاحبه أبو يوسف ، والمملكة الإسلامية في أوج عظمتها وسعتها !
ولمّا نبغ أهل الحديث في القرن الثالث بظهور مالك والشافعي وابن حنبل احترموا رأي أبي حنيفة ، ولم يرموه بما يرمي به المخالفون خصومهم ۱ .
لقد استولت عظمة أبي حنيفة ـ وكثرة الجمهور الذي اتّبعه من المسلمين في شرق بلاد الإسلام وغربه ، وميل الدولة إليه ـ على عقول مخالفيه ، وليس كما قال: «لم يرموه !» بل رموه ، لكن لم يصيبوه .
وهذا الخطيب البغدادي ـ وهو شافعي المذهب ويسكن في مركز الحنفيّة بغداد ، لم يقصّر في نقل ما يندى له الجبينُ!.
لكن اتّباع الجمهور الأعظم لأبي حنيفة وقولهم برأيه جعل خصومه يخضعون للواقع المُرّ!.
فهل باستطاعتهم تكفير جمهور المسلمين الحنفيّة ! مع تصريحهم بالقول: الأوّلون ، وعلى رأسهم أبو حنيفة النعمان (ت سنة 150هـ) كانوا يرون الرأي والقياس الصحيح ، أولى بالاتّباع من الأحاديث التي رواتها آحاد ، ولم يصحّ عندهم من الأحاديث التي رواها جماعة ـ أي المتواترة التي لا عذر لأحد في الشكّ فيها ـ إلاّ بضعة عشر حديثاً ۲ .
وبالرغم من أنّ هذا الرأي قد أثار كبار المحدّثين ـ أصحاب الصحاح والسنن ـ فتهجّموا عليه وعلى أصحابه ، كما يعرف من قراءة ترجمته في تاريخ بغداد للخطيب.
مثل ما فعل الترمذي في كتابه: قال الشيخ سراج أحمد السرهندي في شرحه

1.(الإسلام دين الهداية والإصلاح) (ص۷۱) ط ۱۳۸۹هـ مكتبة الكلّيات الأزهرية ـ القاهرة .

2.المصدر السابق ، (ص۶۸) و(مقدّمة ابن خلدون) (ص۴۴۴) .

صفحه از 34