الخلق من الجنّ والإنس ۱ و الملائكة بلا اختيار منه ، حتّى لو لم يظهر منها كلاًّ أو بعضاً اغتمّ به ، وهذا الرجل لم يَصِر عنده مدح الخلق وذمّهم سواء ، بل ظنّ أنّ مدح الخلق كمال يستكمل به ، فيسرّ بظهور العبادة وبمدحهم عليها ، ويغتمّ بخفائها وعدم مدحهم عليها ، حتّى يبلغ حاله إلى منزلةٍ لو صار مذموماً عند الحقّ وممدوحاً عند الخلق لا يبالي به نعوذ باللّه من ذلك .
والثاني : أنّ شوقه ومراده يتعيّن بإرادة الحقّ ورضاه بحيث لو أظهر الحقّ عبادته وقدره ومنزلته عند الجنّ والإنس والملائكة فيسرّ بذلك من حيث إنّ ذلك من قِبل الحقّ ورضاه ، ومن حيث أنّ ظهور الخير لازمٌ لذاته الخيرة الشريفة في الواقع وتابعٌ له ؛ لا من حيث إنّ الظهور سببٌ لمدحهم ومدحُهم كمال يستكمل به ، فليس به ؛ كما أنّ النور لازم لذات الشمس ؛ لأنّ ظهور شعاعها كمال يستكمل به ولو لم يظهرها ، فيسرّ بذلك أيضاً من حيث إنّ ذلك من فعل الحقّ العليم بمصالح العباد ، فهذا الرجل صار عنده مدح الخلق وذمّهم سواءً ، وليس عنده كمال ونقص إلاّ مدح اللّه وذمّه لا غير ، فلا ۲ يسرّ بمدح الغير أصلاً ۳ .
وإذا تقرّر هذا فأقول : إنّ المنع من الحبّ في الحديثين الأوّلين هو الحبّ بمعنى الأوّل ، والجواز في هذا الحديث هو الحبّ بمعنى الثاني ؛ لأنّه ما من أحد إلاّ وهو يحبّ أن يكون ذاته بمنزلة الشمس التي ظهور شعاعها لازم لها ، ولا ينبغي أن لا يحبّ أن يكون كذلك ، ولا يكون كذلك إلاّ بتسليمه للّه تعالى حتّى /123/ يظهره اللّه متى شاء ، وما قلنا «أنّ البرّ والخير لازم لذات المؤمن الخيّر ، وإظهاره تعالى للمؤمن على الخلائق في النشأتين إنّما هو لأجل إظهار قدره وشأنه ومنزلة ذاته على الخلائق ، لا لأنّه يستكمل بمدحهم» مضمونه في الحديث كثير .