والترقب لظهوره والترصد لحضوره.
فعند ذلك لزمنى امضاء عزيمتى واخلاص نيتى فى التوجه الى المشاهد المعظمة ومواضع الغيبة من غير ريبة؛ فلمّا ازمعت العزيمة واخلصت النيه وكنت حينئذ خادماً لمخدوم بالعراق، لم يكن لى التوجه إلّا بعد إذنه وإجازته وحكمه وإشارته، فاستجزت منه، فأبى، فلم أزل أبالغ وهو يدافع الى أن مضى ثلث سنين وجائت عساكر الكفار بجماهرها وطائفة التتار بحذافيرها الى اصفهان التى هى بها مسكنتى ومسقط رأسى وبها أهلى وأولادى وأقرباى واحفادى واصدقائى واودّائى، لتخريب بيضتها وتعذيب جماعتها واستيصال شأفتها.
وكنت يومئذٍ عند مخدومى بالقلعة الوشاقيّة، مضطرب الحال، مكتئب البال، كثير البلبال، بسبب الأهل والعيال وما ادّخرته مدة عمرى من الأسباب والأموال وذلك كلّه على خطر فى صدمة ملاعين الكفار ومخاذيل التتار ـ أبادهم الله ولا أعادهم.
وهذا الضعيف فى تقلّب واضطراب إذ أرسل اليه مخدومه بأمره باللحاق الى زعيم الكفار لتبليغ رسالته والإعتذار عن تخلّف خدمته واظهار الإخلاص فى طاعته وجمع عساكره لديه وعرض خيله ورجله عليه والتماس الحاجة منه وتهنية قدومه.
فلمّا سمع الضعيف هذا الكلام كلّه، قلت فى نفسى، سبحان الله من أناس ضعف الإيمان فى قلوبهم وتمكّن الظلم والعدوان فى نفوسهم، يتعاونون على الكفر والطغيان ويتهاونون فى دين الإسلام، يعظمون شأن أعداء الله ويختارون رضاهم على رضا الله، إذ استأذنوهم فى سفر خير، لايأذنون، ثم يأمرونهم بنصرة الكفار ويبالون كأنّهم للدنيا خلقوا وبطاعة الكفر أمروا.
وهو مع ذلك كلّه لايزال يبعث الىّ بعد مرّة ويوعدنى أخرى، ويشرفنى ساعة ويعنفنى أخرى، إذا اضطررت، قلت أيّها الأمير والله انّ أمرك بإهانتى وقتلى واجتياح شافتى وأصلى وفعلك بى الأفاعيل وهمّك بى الهموم، أحبّ اليه من أن يراهم عيناه ويسمع كلامهم أذناه، فها أنا بين يديك فاقض ما أنت والله المستعان.