وأقول: وأمّا وجوب تحصيل الاعتقاد في القسم الأوّل وجوبا مطلقا فعقليّ يَحكم به العقل؛ لوجوب شكر المنعم الموقوف على معرفته كما تقرّر في المعقول، وليس ذلك شرعيّا محتاجا إلى السمع فيدور.
وأمّا إلغاء الظنّ رأسا بعد انسداد العلم في القسم الثاني فمحلّ كلام، فإنّه إذا سمع الرجل خبرا من عادل عن معصوم فيما يتعلّق بغير ما يعتبر في حدّ الإيمان الواجب من مسائل الأصول والمعارف المبدئيّة والمعاديّة، فحصول الظنّ له منه قهريّ غير اختياري لا يكلّف بتحصيله وعدمه، وأمّا التديّن به وإظهاره باللسان فلا مانع منه شرعا لا من العقل ولا من النقل.
نعم ، إنّ اللّه تعالى ذمّ قوما اتّبعوا الظنّ، وإنّ الظنّ لا يغني من الحق شيئا، ونهى عن اتّباع ما لا علم به ۱ فقال: «لاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ»۲ لكن في شموله لما قلناه نظرٌ؛ فتأمّل.
وتفصيل الكلام في المقام: إنّ المكلّف الملتفت إلى مسألة أصوليّة ومعرفة إلهيّة إمّا يكون متمكّنا من تحصيل العلم قادرا عليه، أو لا.
والأوّل حكمه التكليفي تحصيل العلم لا غير؛ للآيات والأخبار الكثيرة ۳ في
وجوب المعرفة والإيمان في العلم والتفقّه والتصديق والشهادة، وعدم الرخصة في الجهل والشكّ ومتابعة الظنّ، فإن تسامح واقتصر على الظنّ فهو غير مؤمن قطعا.
وهل هو كافر؟ فيه وجهان: من إطلاق ما دلّ على عدم الواسطة وأنّ غير المؤمن كافر ۴ ، ومن أخبار تدلّ على الواسطة وأنّها الضلال ۵ . هذا إذا ظنّ بالحقّ.
1.الآيات ۱۱۶ و ۱۴۸ من سورة الأنعام و ۶۶ من يونس، و ۲۳ و ۲۸ من سورة النجم.
2.الإسراء (۱۷) : ۳۶ .
3.راجع الكافي ۱:۴۷ باب لزوم الحجّة على العالم وتشديد الأمر عليه.
4.راجع الكافي ۲:۱۸/۶ و ۲۱/۹ وبعده؛ والوسائل ۱۸:۵۶۱/۲۲، ۵۲ . ۵۳ و ۵۶، الباب ۱۰ من أبواب المرتدّ.
5.انظر الوسائل ۱۸/۵۵۶ و ۵۶۸، الباب ۱۰ من أبواب المرتد.