شرح دعاي كميل - صفحه 241

رأى فيه ملائكة الرحمة معهم أطباق من نور فتعجّب من ذلك فأوحى اللّه إليه: إنّ هذا العبد كان عاصيا، وكان ترك إمرأة حبلى فولدت ولدا وربّته حتّى كبر فسلّمه إلى المعلّم فلقّنه بسم اللّه الرحمن الرحيم، فاستحييت من عبدي أن أعذّبه في بطن الأرض وولده يذكرني بالرحمة» ۱ ، فمن يكون في رحمته هذا كيف يكون في حقّ من يذكره بالرحمة دائما ويدعوه بالرحمن الرحيم طول عمره ويؤمّل ويرجو رحمته في الآخرة؟!.
(وَيَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِرُبُوبِيَّتِكَ) أي بكونك ربّا له شفيقا عطوفا رؤوفا به، فإنّ الربوبيّة توجب الشفقة والعطف والرحمة على المربوب،فكيف إذا كان الربّ رحمانا رحيما.
(أَمْ كَيْفَ تَزْجُرُهُ) إلى قوله: (هَيْهَاتَ) «أم» في هذا المواضع للإضراب المجرّد يعني: بل كيف تتركه في النار، و (تؤلِمُهُ) و (يُحرِقُهُ لَهيبُها) أي شعلها، و(يَشْتَمِلُ عَلَيهِ زَفِيرُها) أي داهيتها وبلاؤها و(يَتَقَلْقَلُ) أي يدخل (بَيْنَ أطْباقِها) و (تَزْجُرُهُ زَبانِيَتُها) أي تدفعه خزنتها بمقامع من حديد إذا أراد أن يخرج منها من غمٍّ فيعاد فيها.
و(كَيْفَ يَرْجُوا فَضْلَكَ فِي عِتْقِهِ مِنْهَا فَتَتْرُكُهُ فِيهَا) إنّما غيّر الأسلوب وقدّم الرجاء على الترك بعكس ما سبق وكان السياق يقتضي أن يقول: كيف تتركه فيها وهو يرجو فضلك في عتقه منها؛ لأنّ التعجّب يقتضي ثبوت المتعجّب منه في الجملة؛
إذ لا وقع للتعجّب من شيءٍ معدوم وأمرٍ عدمي، فكان ما وقع بعد كيف كأنّه أمر ثابت من حقّه أن يتعجّب منه مع عدم إشعار فيه بثبوت قيده ممّا وقع بعد الضمير، وفيه شائبة رجحان الخوف ورائحة خلاف حسن الظنّ باللّه ، فقام عليه السلام . بعد تذكّر

1.التفسير الكبير ۱ : ۱۷۸ : التاسعة عشرة: مرّ عيسى بن مريم عليه السلام على قبر فرأى ملائكة العذاب يعذّبون ميتا، فلمّا انصرف من حاجته مرّ على القبر فرأى ملائكة الرحمة معهم أطباق من نور، فتعجّب من ذلك فصلّى ودعا اللّه تعالى، فأوحى اللّه تعالى إليه؛ يا عيسى، كان هذا العبد عاصيا ومذ مات كان محبوسا في عذابي، وكان قد ترك امرأةً حبلى فولدت ولدا وربته حتّى كبر، فسلّمته إلى المعلّم فلقّنه المعلّم «بسم اللّه الرحمن الرحيم» فاستحييت من عبدي أن أعذبه بناري في بطن الأرض وولده يذكر اسمي على وجه الأرض» .

صفحه از 264