هو مَثَلٌ له تعالى. وقد دلّت هذه الأَشياءُ على اللّهِ تعالى ، من هذا الوجه الذي ذكرناه. واشتباهُها في الحدوثِ يدلّ على أَنَّه تعالى لا شَبَهَ له.
ووجه آخر: وهو أَنَّ كلَّ واحدٍ منها مُحدَث ، وفاعِلها قديمٌ ، والقديمُ يستحيلُ أَن يُشبِه كلَّ محدَث ، فمعناه : باشتباهِها يدلّ على أَنَّه لا شَبَه له منها.
ووجه آخر: وهو أَنَّ الأَشياءَ المتماثلة في الصورةِ والخِلقةِ تدلُّ على أَنَّ فاعلَ كلِّ واحدٍ منها عَلِم بحقيقةِ ۱ كلِّ شيء ، حتّى يُمكنَه أَن يأتيَ بالثّاني كأَنّه غيرُ الأَوّلِ في الصّورةِ في غايةِ التماثُل والاشتباهِ والموافقةِ. وكلُّ فاعلٍ سواه لا تَتَأَتَّى منه ولا تَصِحّ الموافقةُ بين أَفعالِه حتّى لا يُمَيَّزَ بعضُها من بعضٍ. فغايةُ التشابهِ في أَفعالِ اللّه تعالى دِلالةٌ على مخالفتِه لسائرِ الأَشياءِ ؛ من حيث إِنّ أفعاله تتشابه تَشابُهاً لا مزيدَ عليه في العقلِ ، ومخالفتُه لسائِرِ العالمين لا تَصِحُّ حتّى يَسْتَغْنِيَ عن العالَم ، ولن يستغنيَ عنه حتّى يكونَ قديماً. وهذا مما يحتَمِله قوله: وباشتباهِهم على أن لا شَبَه له.۲
قوله: لا تَسْتَلِمُه المَشاعِرُ.
قال الإِمام الوبريّ: معناه : لا تجوز عليه الحواسّ ولا تحيط [به] ۳ ؛ فإِنّ المشاعر إِنّما تتصوَّر إِذا كان الحيُّ جسماً فتصيرُ أَطرافُه مَشاعِرَ ؛ لأَنَّه يصِحُّ أَن يُدرِك بكلِّ جُزءٍ وقدرٍ ، فتشتملُه آلاتُ الإِدراكِ ؛ لأَنَّ أَجزاءَه أَو أَكثرَها محلُّ الحياةِ . ۴
قوله: ولا تحجُبُه السَّواتِر.
لأَنّه ليس في جهةٍ [ولا محلّ] ۵ ؛ لاستحالةِ كونِهِ جوهراً وجِسماً ، ولأَنّه ليس بعَرَضٍ حالٍّ في جسم ، فلا تجوز عليه السّواتر ؛ لاستحالةِ كونه في محلٍّ واستحالةِ
1.معارج ، ص ۵۲۶.
2.في «د»: بحقيقته ، وهي كلمة غير مناسبة هنا.
3.في «د»: ولا تحيط [به] الحواس ، وقد سقطت كلمة «الحواس» من «ح» (ج ۱، ص ۶۶۰) و سقوطها هو الصواب.
4.معارج ، ص ۵۳۰.
5.زيادة من «د» عن «ح» (ج ۱، ص ۶۶۱) .