جواهر المطالب في فضائل عليّ بن أبي طالب (سلام الله علیه) - صفحه 147

فقال واحد منهم : إنّما نحن نزعم أنّ الخليفة بعد رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلمأبابكر ؛ لأنّ الرواية المجمع عليها جاءت عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم أنّه قال : «اقتدوا بالّذين ۱ من بعدي» وهما أبوبكر وعمر ، فلمّا أمر النبيّ صلى الله عليه و آله وسلمبالاقتداء بهما علمنا أنّه لم يأمر إلاّ بخير الناس .
فقال المأمون : الروايات كثيرة ، فإمّا أن تكون كلّها حقّاً [ و ] جاز أن يكون كلّها باطلة من حيث أنّها تنقض بعضها بعضاً ، ولو كان كلّها باطلة كان في بطلانها بطلان الدين واندراس الشريعة ، فلمّا بطل الوجهان ثبت الوجه الثالث بلا خلاف ، وهو أنّ بعضها حقّاً وبعضها باطلاً ، فإذا كان ذلك فلابدّ من دليل على ما يتحقّق منه ليعتقد به وتترك خلافه ، فإذا كان دليل الخبر في نفسه باطلاً كان الخبر باطلاً ، وذلك أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم أحكمُ الحكماء ، وأولى الخلق بالصدق ، وأبعد الناس من الأمر بالمحال بلا خلاف ، وإنّ هذين الرجلين لا يخلو من أن يكونا متّفقين من كلّ جهة أو مختلفين ، فإن كانا متّفقين من كلّ جهة كانا سواء في العدد والصورة والجسم ، وهذا معدوم ، ولا يوجد قطّ اثنين بمعنى واحد من كلّ جهة ، وإذا كانا مختلفين فكيف يجوز الاقتداء بهما ؟ وهذا تكليف ما لا يطاق ؛ لأنّك إذا اقتديت بواحد خالفت الآخر . والدليل على اختلافهما أنّ أبابكر سبى أهل الردّة وعمر ردّهم إلى أوطانهم ، واختلفا أيضاً أنّ أبابكر ولّى خالد بن الوليد ولاية ، وعمر أمر بعزله ، لأنّه قتل مالك بن نويرة ، فإنّ أبابكر أمر بعزله ؛ واختلفا أيضاً أنّ عمر حَرّم المتعتين ، ولم يفعل ذلك أبوبكر ، فعُلم أنّ قول النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم اقتدوا بالّذين من بعدي يريد بهما كتاب اللّه وعترته .
فقال آخر من أصحاب الحديث : إنّ النبيّ صلى الله عليه و آله وسلمقال : لو كنت متّخذاً خليلاً لاتّخذت أبابكر . فقال المأمون : هذا باطل ؛ لأنّ النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم آخا بين أصحابه وأخّر عليّاً ، فقال : « ما أخّرتك إلاّ لنفسي » ، ثمّ آخا عليّاً في يوم غدير خمّ ، فأيّ الروايتين أصحّ منه ؟
فقال آخر : إنّ النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم قال على المنبر : خير هذه الاُمّة بعد نبيّها أبوبكر وعمر ! فقال المأمون : هذا الحديث باطل ؛ لأنّ النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم لو علم أنّهما خير هذه الاُمّة ما ولّى

1.كذا في الأصل وبعض المصادر ، وفي بعضها : باللَّذَين .

صفحه از 271