أقول : العفو عند المقدرة سجيّة كريمة لايلقّاها إلاّ ذوحظّ عظيم ، و الصبر عند القدرة أكمل أفراده ، و «إنّما يُوفّى الصابرون أجرهم بغير حساب » .
و لايخفى مجازيّة نسبة الشفاعة إلى الظفر .
الكلمة الخامسة و الأربعون ، قوله عليه السلام : رُبّ ساعٍ فيما يَضُرُّه
كلمة «رُبّ» من الحروف الجارّة ، و أصل وضعها للتقليل ، و استعمل مجازا في التكثير ، و اشتهر فيه بحيث لايحتاج إلى قرينة ، و صار معناه الحقيقي مهجورا ؛ و «ساعٍ» كرامٍ وزنا و إعلالاً : اسم فاعل من السعي ؛ و كلمة «ما» موصولة أو موصوفة أو مصدريّة ، و على الأوليين الضمير المستتر عائدها .
و خلاصة المعنى : أنّ الساعي في الّذي يضرّه ـ أو في شيء يضرّه أو في ضرره ـ كثير ، فيليق بمن حاول الاُمور أن يتأمّل في مضارّها و منافعها ، و إن لم يصل عقله إلى تمييزها ينبغي أن يعرضها على عاقل مجرّب ، ثمّ يختار منها ما هو النافع لآخرته و ترك ما هو المضرّ لها ، فإنّ العمدة في المراعاة هي الآخرة ـ و الدنيا تبع لها ـ و لأجلها خلقت ، فبخٍّ بخٍّ لمن شكر نعمها بصرفها في مصارف الآخرة ؛ فإنّ الشكر لغة : صرف العبد جميع ما اُنعم عليه فيما خُلق له .
الكلمة السادسة و الأربعون ، قوله عليه السلام : لاتَتَّكِ على المُنَى ،
فإنّها بَضائعُ النَّوْكَى
«الاتّكاء» الاعتماد ؛ و «المُنى» جمع المُنية بضمّ الميم فيهما ، كالدُجى و الدُجية : و هي ما يَتمنّى المرء من الآمال ، و قد يُجمع على الأماني كالدجية على الدياجي ؛ و «البضائع» جمع البضاعة ، و هي ما يتّخذه التاجر رأس ماله ليتّجر به ؛ و «النوكى» الحمقى جمع الأحمق .
و المعنى : لاتعتمد على الأماني و الآمال ؛ فإنّ الاتّكاء عليها من قلّة العقل و بضاعة