و أعلى منها مرتبة من وصل إليه دخان النار ، و علم أنّه لابدّ له من مؤثّر ، فحكم بذات لها أثر هو الدخان . و نظير هذه المرتبة في معرفة اللّه تعالى معرفة أهل النظر و الاستدلال ، الّذين حكموا بالبراهين القاطعة على وجود الصانع .
و أعلى منها مرتبة من أحسّ بحرارة النار بسبب مجاورتها ، و شاهد الموجودات بنورها و انتفع بذلك الأثر . و نظير هذه المرتبة في معرفة اللّه سبحانه معرفة المؤمنين الخلّص ، الّذين اطمأنّت قلوبهم باللّه ، و تيقّنوا أنّ اللّه نور السموات و الأرض ، كما وصف ۱ به نفسه .
و أعلى منها مرتبة من احترق بالنار بكلّيته ، و تلاشى فيها بجملته . و نظير هذه المرتبة في معرفة اللّه تعالى معرفة أهل الشهود و الفناء في اللّه ، و هي الدرجة العليا و المرتبة القصوى ، رزقنا اللّه الوصول إليها و الوقوف عليها بمنّه و كرمه ، انتهى كلامه أعلى اللّه مقامه ۲ .
أقول : لايخفى على المتأمّل أنّ المراد بالمعرفة الّتي تضمّنتها هذا الكلمة الشريفة هي المرتبة الثانية من هذه المراتب لا غير ، و أنّ الاستدلال بمعرفة النفس على معرفة الربّ تعالى شأنه من قبيل البرهان الإنّ لا اللم ۳ ، و هذا هو الّذي وعدنا في شرح حديث «لو كُشِف الغطاء» ؛ و اللّه أعلم بالصواب .
الكلمة السابعة ، قوله عليه السلام : المرءُ مخبوءٌ تحتَ لسانِه
حاصل المعنى : أنّ حقيقة المرء و حاله و كماله و عدم كماله مخبوء ـ أي : مستور ـ تحت لسانه ـ أي : كلامه ـ فمتى لم يتكلّم لم يُعلم ما هو عليه من الاستعدادات و الفضائل و الملكات و عدمها ، فإذا تكلّم صارت المراتب معلومة مبرهنة ؛ فإنّ في المقال دلالة واضحة على الحال .
1.في الأصل : «وصفت» و الصحيح ما أثبتناه من المصدر .
2.الأربعين ، التحقيق و الترجمة للعقيقي البخشايشي ، ص۱۴ ـ ۱۶ .
3.«برهان ان» استدلال از معلول به علّت و «برهان لم» عكس آن .منه