كاشف النكات في شرح الكلمات - صفحه 285

الكلمة الخامسة ، قوله عليه السلام : قيمةُ كلّ امرئ ما يُحسِنُه

«قيمة» نكرة مخصّصة بالإضافة ، وقعت مبتدأ ، و كلمة «ما» خبره إذا كانت موصوفة ، لتساويهما في مرتبة الاختصاص ، و أمّا إذا كانت موصولةً ففي ابتدائيّتها إشكال ، و يمكن التفصّي من الإشكال بوجهين :
الأوّل : أن تكون كلمة «ما» مبتدأ و «قيمة» خبره ، وجب تقديمه كقول النحاة : «في الدار صاحبها» ، و وجه وجوب التقديم رجوع الضمير المستتر في «يحسن» على جزء الخبر .
و الثاني : أن يخصّ منع وقوع المبتدأ نكرة بالنكرة المحضة لا المخصّصة ، و هي هنا مخصّصة لما ذكرنا ، مع أنّهم جوّزوا وقوع النكرة المحضة مبتدأ إن أفادت فائدة جديدة ، أو نقدّر مضافا في جانب الخبر من جنس المبتدأ .
و «المرء» كـالخلق ـ و قد يتبع عينُه لامه ضمّـا و فتحا و كسرا ـ يرادف الرجل ؛ و بالتاء اسم للجنس الّذي ضدّ ما ذكرنا . و «الإحسان» يتعدّى و لايتعدّى ، و من الثاني قوله تعالى : «إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ »۱.
و ما نحن فيه من الأوّل ، و الإحسان بهذا المعنى إجادة الشيء ، و هي العلم بالشيء بكماله و بالدقائق المتعلّقة به .
حاصل معنى كلامه عليه السلام : أنّ قيمةَ كلّ أحد من آحاد الناس و بهاؤه و مقداره قيمةُ ما يحسنه من الكمالات ـ إن قدّرنا مضافا ـ أو ذلك الكمال الّذي حصل له العلم به بعينه قيمته ، إن لم نقدّره .
و يستفاد من هذا الكلام اُمور :
الأوّل : أنّ من لا كمال له لا قيمة له ، و موضع استفادة هذا المعنى الحصر ، و نعم ما قال الشاعر :
كسب كمال كن كه عزيز جهان شوىكس بى كمال هيچ نيرزد عزيز من
و الثانى : أنّ مقدار قيمة الرجال على مقدار كمالاتهم ، فكلّ من كان أكمل كانت قيمته أزيد ، فتفاوت مراتبهم على وتيرة اختلاف مراتبها ، و يفهم هذا من إبهام كلمة «ما» .
و الثالث : أنّ العلم بالشيء كما هو و على ما هو و كيف هو ، هو الكمال .
و بالجملة ، معرفة حقائق الأشياء بكنهها و دقائقها ـ الّتي هي كمال الإنسان ـ سمّاها عليه السلام قيمةً للمرء ، فعلم أنّ تصوّر ما ذكرنا بالوجه لايستأهل أن يطلق عليه اسم الكمال ، و يعلم هذا من قوله عليه الصلاة و السلام : «ما يحسنه» .
تكملة : اعلم أنّ أحسن الكمالات و أبهاها هو العلم بكتاب اللّه العزيز كما اُنزل ، و بسنّة رسوله صلى الله عليه و آله كما قال ، على وجه يحصل للعالم بهما خشية للّه ، كما قال عزّ من قائل : «إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَـؤُا »۲.
و نحن بيّنّا أنّ مقدار الرجال على مقدار مراتب الكمال ، فمرتبة هؤلاء أعلى المراتب ، كما أنّ كمالهم أحسن الكمالات ، و هذه الصفة تستلزم العزّة عند الخالق و الخلائق بشرط الخشية المذكورة ، فإن كنت صائغا لابديل لك و طبيبا لايوجد مثلك و منجّما لانظير لك و منطقيّا لانطق لأحدٍ في خدمتك ، فكمالك مالك ، و قيمتك ما أحاط به علمك .
و لعمري إنّ هذا كلام رشيق ورد من مورد التحقيق ، و لاَءن يُكتبَ بالنور على ألواح ۳ الصدور يليق .
فائدة : قد علمنا من هذه الإفادة الجليلة الجميلة أنّ بهاء كلّ ذي بهاء بقدر كماله و استعداده ، و أمّا المعرفة بحذّاق كلّ صفة و الاطّلاع على مقدار كلّ ذي قدر ،

1.الإسراء ، الآية ۷ .

2.فاطر ، الآية ۲۸ .

3.لوح ، صفحه را گويند .منه

صفحه از 356
کلیدواژه