واليد العليا هي المُنفِقة والسفلى هي السائلة. اليد العليا يدُ اللّه الأزليّة الأبديّة، التي هي ملأى من العطايا القديميّة سحّا آناء الليل والنهار، انصبّ منها مأمول جميع السائلين. قال تعالى: بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء وقال تعالى: يداللّه فوق أيديهم . واليد السفلى يد الخاضعين السائلين الخاشعين المتواضعين العارفين المحبّين المتذللّين أنفسهم بنعت الخشوع فى كبرياء قِدَم الحقّ تعالى. وأيضا اليد الفارغة من الكونين وما فيهما هي يد العارفين الذين غسلوا أيديهم من غبار الحدثان وتخلّقوا بأخلاق الرحمن، أيديهم أيدي الحقّ، لأنّهم في مشهد عين الجمع، قال تعالى: وما رميت إذ رميت ولكن اللّه رَمى . واليد السفلى هى يد أهل الأخذ والعطاء الذين أخذو اللّه وأنفقو اللّه ، وهم خزائن نفائس نِعَم الحق على عباده .
۲۸.وقال صلى الله عليه و سلم:لايجتمع الشُّحّ والإيمان في قلب عبدٍ أبدا ۱ .
أصل البخل من تهمة الشكّ فيما قُدِّر في الأزل، والإيمان طبيب القلب بصفاء اليقين في رؤية مقادير الغيب. الأوّل شرك، والآخرُ توحيد، والشرك والتوحيد لايجتمعان في قلب مؤمن قطّ. وفيه من الفهم أنّ الشحّ من أخلاق النفس الأمّارة وهو في المؤمن خاطر رديء خطر من الطبع الإنسانيّ، إذا بدت ظلمته في القلب اختفى نور المعرفة حتى انطمس ذلك الخاطر، فإذا ذهب جآء نور الإيمان في معدن العقل والروح، وذلك النور والظلمة ضدّان لايجتمعان كاللّيل والنهار .
۲۹.وقال صلى الله عليه و سلم:إذا مُدِح المؤمن في وجهه ربا الإيمان في قلبه ۲ .
إذا بلغ المؤمن مقام المعرفة وعرف نفسه بمعرفة اللّه واتّصف بصفاته يرى على نفسه نور تجلّي خلقه القديم، ويُبصر جميع الشواهد ملتبسة بنور الشاهد، ويسمع من ألسنة الخلق ثناءاللّه تعالى، فيفرح بثنائه ولذّة خطابه إذا مدحه الحق
1.الخصال ، ص ۷۶ ؛ روضة الواعظين ، ص۳۸۳ ؛ سنن نسائي ، ج۶ ، ص۱۳؛ مستدرك الحاكم ، ج۲ ، ص۷۲
2.المحجة البيضاء ، ج۲ ، ص۱۱۸ ؛ كنزالعمّال ، ج۱ ، ص۱۴۴