اشک ریختن (بکاء) - صفحه 184

۲۸۳.كمال الدين عن سدير الصيرفي :دَخَلتُ أنَا وَالمُفَضَّلُ بنُ عُمَرَ ، وأَبو بَصيرٍ ، وأَبانُ بنُ تَغلِبَ عَلى مَولانا أبي عَبدِ اللّهِ الصّادِقِ عليه السلام ، فَرَأَيناهُ جالِسا عَلَى التُّرابِ وعَلَيهِ مِسحٌ ۱ خَيبَرِيٌّ مُطَوَّقٌ بِلا جَيبٍ ، مُقَصَّرُ الكُمَّينِ ، وهُوَ يَبكي بُكاءَ الوالِهِ الثَّكلى ، ذاتَ الكَبِدِ الحَرّى ، قَد نالَ الحُزنُ مِن وَجنَتَيهِ ، وشاعَ التَّغييرُ في عارِضَيهِ ، وأَبلى الدُّموعُ مَحجِرَيهِ ، وهُوَ يَقولُ :
«سَيِّدي! غَيبَتُكَ نَفَت رُقادي ، وضَيَّقَت عَلَيَّ مِهادي ، وَابتَزَّت مِنّي راحَةَ فُؤادي . سَيِّدي! غَيبَتُكَ أوصَلَت مُصابي بِفَجايِعِ الأَبَدِ ، وفَقدُ الواحِدِ بَعدَ الواحِدِ يُفنِي الجَمعَ وَالعَدَدَ ، فَما اُحِسُّ بِدَمعَةٍ تَرقى مِن عَيني ، وأَنينٍُ يَفتُرُ مِن صَدري ، عَن دَوارِجِ الرَّزايا وسَوالِفِ البَلايا ، إلّا مُثِّلَ بِعَيني عَن غَوابِرَ أعظَمِها وأَفظَعِها ، وبَواقِيَ أشَدِّها وأَنكَرِها ، ونَوائِبَ مَخلوطَةٍ بِغَضَبِكَ ، ونَوازِلَ مَعجونَةٍ بِسَخَطِكَ» .
قالَ سَديرٌ : فَاستَطارَت عُقولُنا وَلَها ، وتَصَدَّعَت قُلوبُنا جَزَعا مِن ذلِكَ الخَطبِ الهائِلِ ، والحادِثِ الغائِلِ ، وظَنَنّا أنَّهُ سِمَةٌ لِمَكروهَةٍ قارِعَةٍ ، أوحَلَّت بِهِ مِنَ الدَّهرِ بائِقَةٌ ۲ ، فَقُلنا : لا أبكَى اللّهُ ـ يَابنَ خَيرِ الوَرى ـ عَينَيكَ مِن أيَّةِ حادِثَةٍ تَستنَزِفُ دَمعَتَكَ وتَستَمطِرُ عَبرَتَكَ ، وأَيَّةُ حالَةٍ حَتَمَت عَلَيكَ هذَا المَأتَمَ ؟
قالَ : فَزَفَرَ الصّادِقُ عليه السلام زَفرَةً انتَفَخَ مِنها جَوفُهُ ، وَاشتَدَّ عَنها خَوفُهُ ، وقالَ : وَيلَكُم! نَظَرتُ في كِتابِ الجَفرِ صَبيحَةَ هذَا اليَومِ ، وهُوَ الكِتابُ المُشتَمِلُ عَلى عِلمِ المَنايا وَالبَلايا وَالرَّزايا ، وعِلمِ ما كانَ وما يَكونُ إلى يَومِ القِيامَةِ ، الَّذي خَصَّ اللّهُ بِهِ مُحَمَّدا وَالأَئِمَّةَ مِن بَعدِهِ عليهم السلام ، وتَأَمَّلتُ مِنهُ مَولِدَ قائِمِنا وغَيبَتَهُ وإبطاءَهُ وطولَ عُمُرِهِ ، وبَلوَى المُؤمِنينَ في ذلِكَ الزَّمانِ ، وتَوَلُّدَ الشُّكوكِ في قُلوبِهِم مِن طولِ غَيبَتِهِ ، وَارتِدادَ أكثَرِهِم عَن دينِهِم ، وخَلعَهُم رِبقَةَ الإِسلامِ مِن أعناقِهِم ، الَّتي قالَ اللّهُ تَقَدَّسَ ذِكرُهُ : «وَ كُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِى عُنُقِهِ»۳ ـ يَعنِي الوَلايَةَ ـ فَأَخَذَتنِي الرِّقَّةُ ، وَاستَولَت عَلَيَّ الأَحزانُ . ۴

راجع : ص 218 ح 230.

1.المِسْحُ : ثوب من الشَعْرِ غليظ (تاج العروس : ج ۴ ص ۲۰۵ «مسح») .

2.البوائق : الغوائل والشرور ، واحدها بائقة وهي الداهية (النهاية : ج ۱ ص ۱۶۲ «بوق») .

3.الإسراء : ۱۳ .

4.كمال الدين : ص ۳۵۲ ح ۵۰ ، بحار الأنوار : ج ۵۱ ص ۲۱۹ ح ۹ .

صفحه از 262