وعَلَيهِ مِدرَعَةٌ مِن صوفٍ ، وحَمائِلُ سَيفِهِ ليفٌ ، وفي رِجلَيهِ نَعلانِ مِن ليفٍ ، وفي جَبينِهِ ثَفِنَةٌ ۱ مِن أثَرِ السُّجودِ ... قالَ عليه السلام :
ألا إنَّهُ قَد أدبَرَ مِنَ الدُّنيا ماكانَ مُقبِلاً ، وأقبَلَ مِنها ماكانَ مُدبِرا ، وأزمَعَ ۲ التَّرحالَ عِبادُ اللّهِ الأَخيارُ ، وباعوا قَليلاً مِنَ الدُّنيا لا يَبقى بِكَثيرٍ مِنَ الآخِرَةِ لا يَفنى .
ما ضَرَّ إخوانَنَا الَّذينَ سُفِكت دِماؤُهُم ـ وهُم بِصِفِّينَ ـ ألّا يَكونوا اليَومَ أحياءً يُسيغُون الغُصَصَ ويَشرَبونَ الرَّنقَ ۳ ؟ قَد ـ وَاللّهِ ـ لَقُوا اللّهَ فَوَفّاهُم اُجورَهُم وأحَلَّهُم دارَ الأَمنِ بَعدَ خَوفِهِم .
أينَ إخوانِيَ الَّذينَ رَكِبُوا الطَّريقَ ومَضَوا عَلَى الحَقِّ؟ أينَ عَمّار؟ وأينَ ابنُ التَّيِّهان ۴ ؟ وأينَ ذُوالشَّهادَتَين ۵ ؟ وأينَ نُظَراؤُهُم مِن إخوانِهِم ؛ الَّذينَ تَعاقَدوا عَلَى المَنِيَّةِ واُبرِدَ بِرُؤوسِهِم ۶ إلَى الفَجَرَةِ؟
قالَ : ثُمَّ ضَرَبَ بِيَدِهِ عَلى لِحيَتِهِ الشَّريفَةِ الكَريمَةِ فَأَطالَ البُكاءَ ، ثُمَّ قالَ عليه السلام : أوِّه عَلى إخوانِيَ الَّذينَ تَلَوُا القُرآنَ فَأَحكَموهُ ، وتَدَبَّرُوا الفَرضَ فَأَقاموهُ ، أحيَوُا السُّنَّةَ وأماتُوا البِدعَةَ ، دُعوا لِلجِهادِ فَأَجابوا ، ووَثِقوا بِالقائِدِ فَاتَّبَعوهُ .
ثُمَّ نادى بِأَعلى صَوتِهِ : الجِهادَ الجِهادَ عِبادَ اللّهِ! ألا وإنّي مُعَسكِرٌ في يَومي هذا ، فَمَن أرادَ الرَّواحَ إلَى اللّهِ فَليَخرُج! ۷
1.الثَّفِنة ـ بكسر الفاء ـ : ما وليَ الأرض من كلّ ذات أربع إذا بركت ، كالركبتين وغيرهما ، ويحصل فيه غلظ من أثر البروك (النهاية : ج ۱ ص ۲۱۵ «ثفن») .
2.أزمَعَ الأمرَ : مضى فيه ، وثبَّت عليه عَزمَه (لسان العرب : ج ۸ ص ۱۴۴ «زمع»).
3.ماءٌ رَنْق : أي كَدِر (الصحاح : ج ۴ ص ۱۴۸۵ «رنق») .
4.هو أبو الهيثم مالك بن التيِّهان ، من أكابر الصحابة.
5.هو خزيمة بن ثابت الأنصاري الذي عدلَ رسول اللّه صلى الله عليه و آله شهادته بشهادة رجلين في قصّة مشهورة.
6.أي اُرسلت مع البريد بعدما قتلهم الفجرة البُغاة.
7.نهج البلاغة : الخطبة ۱۸۲ ، بحار الأنوار : ج ۴ ص ۳۱۳ ح ۴۰.