في قلوبهم المحبّة الإلهيّة ؛ وذلك أنّهم يعرفون ربّهم بما عرّفهم به نفسه ، وقد سمّى نفسه بأحسن الأسماء ووصف ذاته بكلّ صفة جميلة ، ومن خاصّة النفس الإنسانيّة أن تنجذب إلَى الجميل فكيف بِالجميل علَى الإطلاق ؟! وقال تعالى : (ذلِكُمُ اللَّهُ ربُّكُمْ لا إلهَ إلّا هُوَ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فاعْبُدُوهُ)۱ ثمّ قال : (الّذِي أحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ)۲ فأفاد أنّ الخلقة تدور مدار الحسن ، وأنّهما متلازمان متصادقان . ثمّ ذكر سبحانه في آيات كثيرة أنّ ما خلقه من شيء آية تدلّ عليه وأنّ في السماوات والأرض لآيات لاُولي الألباب ، فليس في الوجود ما لا يدلّ عليه تعالى ولا يحكي شيئاً من جماله وجلاله .
فالأشياء من جهة أنواع خلقها وحسنها تدلّ على جماله الذي لا يتناهى، ويحمده ويثني على حسنه الذي لا يفنى ، ومن جهة ما فيها من أنواع النقص والحاجة تدلّ على غناه المطلق وتسبّح وتنزّه ساحة القدس والكبرياء ، كما قال تعالى : (وإنْ مِن شَيْءٍ إلّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ) .۳
فهؤلاء يسلكون في معرفة الأشياء من طريق هداهم إليه ربّهم وعرّفها لهم ، وهو أنّها آيات له وعلامات لصفات جماله وجلاله ، وليس لها من النفسيّة والأصالة والاستقلال إلّا أنّها كمرائي تجلّي بحسنها ما وراءها من الحسن غير المتناهي ، وبفقرها وحاجتها ما أحاط بها من الغنَى المطلق ، وبذلّتها واستكانتها ما فوقها من العزّة والكبرياء . ولا يلبث الناظر إلَى الكون بهذه النظرة دون أن تنجذب نفسه إلى ساحة العزّة والعظمة ، ويغشى قلبه من المحبّة الإلهيّة ما ينسيه نفسه وكلّ شيء ، ويمحو رسم الأهواء والأميال النفسانيّة عن باطنه ، ويبدّل فؤاده قلباً سليماً ليس فيه إلّا اللَّه عزّ اسمه ، قال تعالى : (والّذِينَ آمَنُوا أشَدُّ حُبّاً للَّهِِ) .۴