العدالة راحة النفس عن الهمم المؤذية ، وهي الحياة بعد الموت ببقاء الاسم وحسن الذِّكر وجميل الثناء والمحبّة في القلوب .
وهذا هو المسلك المعهود الذي رتّب عليه علم الأخلاق ، والمأثور من بحث الأقدمين من يونان وغيرهم فيه .
ولم يستعمل القرآن هذا المسلك الذي بناؤه علَى انتخاب الممدوح عند عامّة الناس عن المذموم عندهم ، والأخذ بما يستحسنه الاجتماع وترك ما يستقبحه ، نعم ربّما جرى عليه كلامه تعالى فيما يرجع بالحقيقة إلى ثواب اُخرويّ أو عقاب اُخرويّ كقوله تعالى : (وحَيْثُ ما كُنْتُم فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لئلّا يَكُونَ لِلنّاسِ عَلَيْكُم حُجَّةٌ)1 ، دعا سبحانه إلَى العزم والثبات ، وعلّله بقوله : (لئلّا يَكونَ) وكقوله تعالى : (ولا تَنازَعُوا فَتفْشَلوا وتَذْهَبَ رِيحُكُمْ واصْبِروا)2 ، دعا سبحانه إلَى الصبر وعلّله بأنّ تركه وإيجاد النزاع يوجب الفشل وذهاب الريح وجرأة العدوّ ، وقوله تعالى : (ولَمَنْ صَبَرَ وغَفَرَ إنّ ذلكَ لَمِنْ عَزْمِ الاُمورِ)3 دعا إلَى الصبر والعفو ، وعلّله بالعزم والإعظام .
المسلك الثاني : الغايات الاُخرويّة ، وقد كثر ذكرها في كلامه تعالى ، كقوله سبحانه : (إنّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ المُؤمِنينَ أنْفُسَهُمْ وأمْوالَهُمْ بأنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ)4 ، وقوله تعالى : (إنّما يُوَفّى الصّابِرونَ أجْرَهُمْ بغَيرِ حِسابٍ)5 ، وقوله تعالى : (إنّ الظّالِمينَ لَهُمْ عَذابٌ أليمٌ)6، وقوله تعالى : (اللَّهُ وَلِيُّ الّذينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظّلُماتِ إلَى النُّورِ والذِينَ كَفَروا أوْلياؤهُمُ الطّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إلَى الظُّلُماتِ)7 ، وأمثالها كثيرة علَى اختلاف فنونها .
ويلحق بهذا القسم نوع آخر من الآيات ، كقوله تعالى : (ما أصابَ مِن مُصيبَةٍ في الأرْضِ ولا في أنْفُسِكُم إلّا في كِتابٍ مِنْ قَبْلِ أنْ نَبْرَأها إنّ ذلكَ علَى اللَّهِ