صحبة الرسول (صلي الله عليه و آله) بين المنقول و المعقول - الصفحه 119

فخرجوا بعد لأْي شديد ، وامتناع من البعض ۱  ، والبعض استجاب مباشرةً ،فخرجوا وخيَّموا في حمراء الأسد ، ولكنَّ الله عزَّ وجلَّ قد أرعب قلوب المشركين فرجعوا إلى مكَّة ، ولم يتقدموا إلى المسلمين ، فرجع المسلمون سالمين في أنفسهم ، وقد تفضل الله عليهم بالنعم ، واختلف فيها: فقيل هي السلامة ، وقيل التجارة التي ربحوها ، وقيل رضا الله وعفوه عنهم ، وقيل إرعاب المشركين . . .
وعلى كلّ حال ، فالآية متصلة بما قبلها ، فالاسم الموصول هنا راجع للمؤمنين المذكورين في الآية السابقة ، فهم الذين استجابوا للَّه وللرسول ، ولذا قال النبي(صلى الله عليه وآله): لا يخرج معنا إلا من شهد الواقعة بالأمس .
ولكنَّ تتمة الآية فيها مزيد اختصاص لجماعة منهم ـ في ما لو بنينا على أنَّ كلمة «منهم» للتبعيض ـ فمفادها أنَّ الذين أحسنوا واتقوا من الذين استجابوا ، لا كل الذين استجابوا ، فهي تتعرض لحكم مَنْ أحسن واتقى ممَّن استجاب فقط ، وهذا هو المعنى الظاهر منها .
خلافاً لما ذكره صاحب الكشَّاف والفخر الرازي وغيرهم من دعوى إرادة التبيين ، وأنَّ كل الذين استجابوا أحسنوا واتقوا ، فهي دعوى بلا برهان ، إذ أنَّ إحسانهم مشكوك فيه ، خاصة بعد أن صدر منهم ما صدر في الأمس المذكور وهو يوم أُحُد ، ولذا ذكر في الكشاف أنَّ النبي (صلى الله عليه وآله) قال لهم: سوف أخرج ، وأقاتلهم ، ولو كنت وحدي: «حسبنا اللَّه ونعم الوكيل» .

الموقف الثالث: ما يتعلق بمعركة الخندق:

وقد سُمِّيت الأحزاب لتحزب قريش والقبائل واليهود ، وكانوا نحو عشرة آلاف فارس ، والمسلمون كانوا ثلاثة آلاف ، وفي هذه المعركة الكبيرة نزل ما يصل

1.إذ أنَّ من أخبرهم بعزم أبي سفيان ـ وهو أبونعيم وقيل غيره وهو المقصود من كلمة الناس ـ الرجوع ، قد أرعبهم منه وخوَّفهم لقاءه ، علاوة على كثرة الجرحى بينهم .

الصفحه من 152