بعدُ ، ألا وهو فرارهم من الزحف وهو المعبَّر عنه بقوله: تُصْعِدُون وَلاَ تَلْوُونَ عَلَىأَحَد وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُم فِي أُخْرَاكُم .
ولعلَّك لا تصدِّق بصدور هذا الذنب منهم ، والعلَّة هي كونهم صحابة ۱ ، فهاك بعض الشواهد على ما ذكرنا من الذنب ۲ والمعصية:
1 ـ قال محمد بن مسلمة: «سمعتْ أذناي وأبصرتْ عيناي رسول اللَّه (صلى الله عليه وآله)يقول يومئذ وقد انكشف الناس إلى الجبل وهم يلوون عليه وإنَّه ليقول: إليَّ يا فلان ، إليَّ يا فلان ، أنا رسول اللَّه ! فما شرح منهما واحد عليه ومضيا ۳ .
وفي هذا أكبر شاهد على تحقق الفرار من بعض الصحابة ، والفرار من الزحف يعدُّ من الكبائر ، بل من أكبر الكبائر .
2 ـ فقد روت أمُّ المؤمنين عائشة عن أبيها: «كان أبوبكر ـ إذا ذكر يوم أحد ـ بكى ثمَّ قال: ذاك يوم طلحة . . .ثمَّ أنشأ يحدث قال: كنتُ أول من فاء ۴ يوم أحد . .فرأيت رجلاً يقاتل مع رسول اللَّه فقلت: كنْ طلحة التيمي ; حيث فاتنيمافاتني ، يكون رجلاً من قومي . . .» ۵ ، ولا يخفى أنَّه مع اعترافه بالفرار يتمنى
1.والعجب لا ينقضي منهم ! إذ كيف يحاولون إثبات صدق صحبتهم من مثل هذه الآية بتصريحها بالعفو عنهم ، ويثبتون من جهة أخرى أنَّهم مفعوٌّ عنهم لكونهم من الصحابة ، ألا يلزم الدور الباطل من هذا الاستدلال ؟؟
2.فقد كان الصحابة أنفسهم يعدونه ـ على بساطتهم ـ ذنباً ويعترفون به ، فما الداعي لك أيها الكاتب لأن تنفي عنهم ما يثبتونه لأنفسهم ؟ .
3.شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي : ۱۵ / ۲۳ ـ ۲۴ عن مغازي الواقدي .
4.فاء: رجع .
5.الطبقات لابن سعد: ۳ / ۱۵۵ ، السيرة النبوية لابن كثير: ۳ / ۵۸ ، كنز العمال: ۱۰ / ۲۶۸ ، البداية والنهاية لابن كثير : ۴ / ۲۹ ـ ۳۲ ، تاريخ الإسلام للذهبي: ص ۱۹۱ ، المستدرك للحاكم: ۳ / ۲۷ ، تاريخ الخميس: ۱ / ۴۳۱ ، وغيرها من المصادر ، والمناسب ذكره أنَّهم يروون: «أنَّ أبابكر أشجع الناس لأنَّه ثبت مع النبي مدافعاً عنه يوم بدر ، في عريش النبي» مجمع الزوائد ۹ / ۴۶۱ ، وقد ينسبون الرواية إلى علي (عليه السلام)حتى تكون أقرب للقبول ، ولكن للأسف فالرواية قد رواها بلا إسناد ، وقال عنها الهيثمي: فيها من لم أعرفه ، بل يكذبها صحيحة ابن إسحاق من أنَّ سعد بن معاذ هو الذي كان يحرسه يوم بدر ; عيون الأثر لابن سيد الناس ۱ / ۲۵۸ ، فتأمل !! .