صحبة الرسول (صلي الله عليه و آله) بين المنقول و المعقول - الصفحه 109

وفي رواية أخرى له: قال الذين جمعوا الغنائم: نحن حويناها وجمعناها ، فليس لأحد فيها نصيب ، وقال الذين خرجوا في طلب العدو: لستم أحقّ بها منَّا . . . ، وقال الذين أحدقوا برسول اللَّه: لستم بأحقّ بها منَّا ; نحن أحدقنا برسول اللَّه . . .» ۱
المقطع الثالث: قوله تعالى : مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنيَا واللَّهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ واللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ * لَوْلاَ كِتَابٌ من اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُم فِيمَا أَخَذْتُم عَذَابٌ عَظِيمٌالأنفال: 67 ـ 68 .
ومن الواضح أنَّ مفاد الآية اختلاف المسلمين في الأسرى ، فبعض يقول : اقتلوهم ، وبعض يقول : ائتسروهم ، فبيَّن اللَّه عزَّ وجلَّ أنَّ الأسر إنَّما يكون بعد الإثخان في الأرض لا قبله ، ولذا بيَّن في آية أخرى من سورة محمد أنَّ حكمهم ضرب رقابهم أو الفداء ۲  .
وبهذا رفع اللَّه اختلاف المسلمين حولهم ، ثمَّ بيَّن أنَّ الأسر موافق لعرض الدنيا لا للآخرة ، وأنَّ سبق أمر اللَّه أوجب عدم استحقاقهم للعذاب العظيم فيما لو أقدموا على ما أرادوا .
فكيف كانوا كذلك ؟ وكيف صدر منهم ذلك ؟ ألم يكونوا يرجعون في كل أمورهم للرسول ؟ وهل المتبعون لخطى النبي(صلى الله عليه وآله) والذين لا يحيدون عنه قيد أنملة يختلفون كهذا الاختلاف ؟
وفي هذا المقطع أكبر دلالة على أنَّ الرضا والعفو الذي ادعاه الكاتب لكل أهل بدر ليس في محله ، إذ أنَّ بعضهم أهل عرض الدنيا وآخرون من أهل الآخرة  ، كما

1.الدر المنثور: ۴ / ۱۰۵ ، وأخرى مثلها: ۴ / ۱۰۸ .

2.وقد أمر الرسول (صلى الله عليه وآله) عليَّاً بأن يقتل اثنين وهما عقبة بن أبي معيط والنضر بن الحارث ، وأخذ الفداء من ثمانية وستين رجلاً ـ تاريخ اليعقوبي: ۲ / ۴۶ .

الصفحه من 152