واستدلّ ابن تيمية كذلك بما في الحديث من قول الرسول صلى الله عليه وآله : «مَن ولي عليه والٍ فرآهُ يأتي شيئاً من معصية اللَّه فليكره ما يأتي من معصية اللَّه ، ولا ينزعنّ يداً عن طاعة» .
قال ابن تيمية : وهذا نهيٌ عن الخروج عن السلطان وإن عصى ۱ .
أقول: مراده بالنهي هو الوارد في الحديث: «ولاينزعنّ يداً عن طاعة» فهم منه ابن تيمية النهي عن ترك طاعة السلطان .
وهذا فهمٌ مغلوطٌ؛ لأنّ الطاعة المنهي عن تركها هي تقابل المعصية التي قام بها السلطان، فالمراد: إذا قام الوالي بمعصية اللَّه؛ فلا تتّخذوه أسوةً لكم بأن تعصوا كما عصى، فلاتعصوا أنتم، بل التزموا طاعة اللَّه، رغماً على الوالي العاصي.
وهذه دعوةٌ إلى مخالفة الوالي العاصي في عصيانه، بعدم موافقته لئلّا يتمادى في عصيانه،والدليل على هذا المعنى ما رواه ابن عمر : قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله «على المرء المسلم السمعُ والطاعةُ في ما أحبّ وكره ، إلّا أنْ يُؤمَرَ بمعصيةٍ ، فإذا أُمِرَ بمعصيةٍ؛ فلا سمعَ ولا طاعةَ» ۲ .
والظاهر أنّ هذا الحديث هو نفسه حديث عوف الأشجعي، قال صلى الله عليه وآله : «ألا مَنْ وُلِّيَ عليكم فرآه يأتي شيئاً من معصية اللَّه فلينكرْ ما يأتي به من معصية اللَّه ولا ينزعنّ يداً من طاعة اللَّه عزّوجلّ» ۳ .
والمنهيّ عنه فيه هو ترك طاعة اللَّه، لاطاعة الوالي العاصي للَّه !!
وقد خان ابن تيمية في بتره للحديث أو في تركه لهذا النص منه، وتفسيره
1.صحيح مسلم بشرح النووي (۱۲ / ۲۴۴)
2.ابن ماجه - الجهاد باب لا طاعة في معصية اللَّه - (۲/۹۵۶)ح ۲۸۶۴ ومسند أحمد (۲ / ۱۷ و۱۴۲) وسنن النسائي - البيعة، باب جزاء من أمر بمعصية - (۷/۱۶۱)
3.الشريعة للآجري (۱ / ۳۸۴) ح ۷۲ وهو في مسلم -الإمارة- (۳ / ۱۴۸۲) ح ۱۸۵۵ والدارمي في السنن (۲ / ۲۳۲) ح ۲۸۰۰ ومسند أحمد (۶ / ۲۴) و (۶ / ۲۸)