الحشويّة الأميريّون - الصفحه 61

وأمّا من رضي بفعل الأمير للمنكر ، وتابعه في عمل المنكر ، فلابدّ أن يكون حكمه أشدّ من السابقين ، وكما قال النووي : «لم يبرأ ولم يسلم» لدلالة السياق على ذلك ، فهو آثِمٌ قلبه ومعاقَبٌ.
وعلى هذا ، فالأنسب من العبارات : «من أنكر فقد برى ء، ومن كره فقد سلم ، ولكن من رضي وتابع...».
أمّا لماذا حُذِفَ الخبرُ هُنا في الفقرة الأخيرة، وأُضمِر وقُدِّر ، ولم يظهر !؟.
ألا يدلّ هذا على أنّ يداً عبثتْ بهذه الرواية - المفروض صحّتها - فزادتْ عليه حكم عدم القتال ؟.
والجواب واضحٌ : لأنّ المسلمين المتّقين ، كالقُرّاء والفقهاء ، والصالحين ، أنكروا ، بل خرجوا وقاتلوا اُمراء الجور - من قبيل زياد ابن أبيه ، والحجّاج بن يوسف الثقفي ، ومروان بن الحكم - فقتلوا ، وأبرأوا ذمّتهم .
ومنهم مَن أنكر بقلبه ، فسلم من القتل ، لكنّه عاش في الذلّ ، وحَضَرَ مجالس الفسق والفجور ، ورأى بأُمّ عينه ذبح العلماء والفضلاء ، ولم يتكلّم ، بل أُهِين وحُقِّر ، وكُبِّل ، ووُضِعت القيودُ على يديه، كابن عمر وأنس بن مالك وزيد بن أرقم .
وأمّا أكثر الناس ، وعامّة الاُمّة ، فقد كانوا جيشَ الاُمراء، وكانوا هم الأيدي الضاربة ، يتبعون الاُمراء ويُطيعونهم ، وينقادون لأوامرهم ، ويُحاربون في صُفُوفهم ، فهُم الراضُون والتابعون!
فهل يتمكّن الرواة والمؤلِّفون للصحاح من ذكر حكمهم ، ويُظهر : أنّهم لم يبرأوا من الإثم، ولم يسلموا من العقاب ! وهم أهل القرن الأوّل خير القرون !.
إنّ الحَشْوِيَّة ، لا تزال تُعلن عن رضاها عن أفعال الاُمراء ، فيزيد بن معاوية عندهم «أمير المؤمنين» و «الحجّاج» عندهم «الأمير العربيّ العادل»! وهذه العناوين هي التي ظهرت في عصرنا الحاضر ، تمجّد بالاُمراء .
فكيف تسجّل في حقّهم الأحكام بالإثم والعقاب ، وفي ثاني أصحّ كتابين بعد

الصفحه من 88