لُجِّيٍّ يَغْشاهُ مَوْجٌ مِن فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحابٌ) تشبيهٌ ثانٍ لأعمالهم، يظهر به أنّها حُجب متراكمة على قلوبهم تحجبهم عن نور المعرفة ، وقد تكرّر في كلامه تعالى أنّهم في الظُّلمات كقوله : (والّذينَ كَفَروا أوْلِياؤُهُمُ الطّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِنَ النُّورِ إلَى الظُّلُماتِ)1 وقوله : (كَمَنْ مَثَلُهُ في الظُّلُماتِ لَيسَ بِخارِجٍ مِنْها)2 وقوله : (كَلّا بَلْ رانَ على قُلوبِهِم مَا كانوا يَكْسِبونَ * كلّا إنَّهُمْ عَن رَبِّهِمْ يَوْمَئذٍ لَمَحْجُوبُونَ) .3
وقوله : (أوْ كَظُلُماتٍ في بَحْرٍ لُجِّيٍّ) معطوفٌ على (سراب) في الآية السابقة . والبحر اللُّجّيُّ هو البحر المتردّد أمواجه، منسوبٌ إلى لُجّة البحر وهي تردُّد أمواجه ، والمعنى: أعمالهم كظلماتٍ كائنةٍ في بحرٍ لُجّيٍّ .
وقوله : (يَغشاهُ مَوْجٌ مِن فَوْقِهِ مَوْجٌ مِن فَوْقِهِ سَحابٌ) صفة البحر، جيء بها لتقرير الظلمات المفروضة فيه ، فصفته أنّه يغشاه ويحيط به موجٌ كائنٌ من فوقه موجٌ آخر كائنٌ مِن فوقه سحابٌ يحجبنه جميعاً من الاستضاءة بأضواء الشمس والقمر والنجوم .
وقوله : (ظُلُماتٌ بَعْضُها فَوقَ بَعْضٍ) تقريرٌ لبيان أنّ المراد بالظلمات المفروضة الظلمات المتراكمة بعضها على بعضٍ دون المتفرّقة . وقد أكّد ذلك بقوله : (إذا أخْرَجَ يَدَهُ لَم يَكَدْ يَراها) فإنّ أقرب ما يشاهده الإنسان منه هو نفسه ، وهو أقدر على رؤية يده منه على سائر أعضائه ؛ لأنّه يُقرِّبها تجاه باصرته كيفما أراد ، فإذا أخرج يده ولم يكد يراها كانت الظّلمة بالغةً .
فهؤلاء - وهم سائرون إلَى اللَّه وصائرون إليه - من جهة أعمالهم كراكب بحرٍ لُجّيٍّ يغشاه موجٌ من فوقهِ موجٌ من فوقه سحابٌ في ظلمات متراكمة كأشدّ مايكون ، ولانور هناك يستضيء به فيهتدي إلى ساحل النّجاة .4
1.البقرة : ۲۵۷ .
2.الأنعام : ۱۲۲ .
3.المطفّفين : ۱۴ و ۱۵ .
4.الميزان في تفسير القرآن : ۱۵/۱۳۰ .