الکذب - الصفحه 11

الكَذِب - بالفتح فالكسر - مصدرٌ اُريد به الفاعل لِلمبالغة ؛ أي بدمٍ كاذبٍ بيّن الكذب .
وفي الآية إشعار بأنّ القميص وعليه دم - وقد نُكِّر الدمُ للدلالة على‏ هوان دلالته وضعفها على ما وصفوه - كان على‏ صفةٍ تكشف عن كذبهم في مقالهم ، فإنّ من افترسته السِّباع وأكلته لم تترك له قميصاً سالماً غير ممزّق . وهذا شأن الكذب لا يخلو الحديث الكاذب ولا الاُحدوثة الكاذبة من تنافٍ بين أجزائه وتناقضٍ بين أطرافه أو شواهدَ من أوضاعٍ وأحوالٍ خارجيّةٍ تحفّ به وتنادي بالصدق وتكشف القناع عن قبيح سريرته وباطنه ، وإن حسنت صورته .

كلام في أنّ الكذب لا يُفلح :

من المُجرَّب أنّ الكذب لا يدوم علَى اعتباره ، وأنّ الكاذب لا يلبث دون أن يأتي بما يكذّبه أو يَظهر ما يكشف القناع عن بُطلان ما أخبر به أو ادّعاه . والوجه فيه أنّ الكون يجري على‏ نظامٍ يرتبط به بعض أجزائه ببعضٍ بنِسَبٍ وإضافاتٍ غير متغيّرة ولا متبدّلة، فلكلّ حادثٍ من الحوادث الخارجيّة الواقعة لوازم وملزوماتٌ متناسبةٌ لا ينفكّ بعضها من بعضٍ ، ولها جميعاً فيما بينها أحكام وآثارٌ يتّصل بعضها ببعضٍ ، ولو اختلّ واحدٌ منها لاختلّ الجميع ، وسلامة الواحد تدلّ على‏ سلامة السِّلسلة . وهذا قانونٌ كلّيّ غير قابل لورود الاستثناء عليه .
فلو انتقل مثلاً جسم من مكانٍ إلى‏ مكانٍ آخر في زمانٍ كان من لوازمه أن يفارق المكان الأوّل ويبتعد منه ويغيب عنه وعن كلّ ما يلازمه ويتّصل به ويخلو عنه المكان الأوّل ويشغل به الثاني وأن يقطع ما بينهما من الفصل إلى‏ غير ذلك من اللوازم ، ولو اختلّ واحد منها - كأن يكون في الزمان المفروض شاغلاً للمكان الأوّل - اختلّت جميع اللوازم المحتفّة به .

الصفحه من 16