القِصاص‏ - الصفحه 7

بالانعكاس في الوقائع التاريخيّة ، (فَمَنْ يَعمَلْ مِثقالَ ذَرَّةٍ خَيراً يَرَهُ * ومَنْ يَعمَلْ مِثْقالَ ذَرّةٍ شَرّاً يَرَهُ)۱ ولكلّ عمل عكس عمل في قانونها ، لكنها تعدّ القتل في مورد القتل ظلماً وتنقض حكم نفسها !
على‏ أنّ الإسلام لا يرى‏ في الدنيا قيمة للإنسان يقوم بها ولا وزناً يوزن به إلّا إذا كان على‏ دين التوحيد ، فوزن الاجتماع الإنسانيّ ووزن الموحّد الواحد عنده سيّان ، فمن الواجب أن يكون حكمهما عنده واحداً ، فمن قتل مؤمناً كان كمن قتل الناس جميعاً من نظر إزرائه وهتكه لشرف الحقيقة ، كما أنّ من قتل نفساً كان كمن قتل الناس جميعاً من نظر الطبيعة الوجوديّة . وأمّا الملل المتمدّنة فلا يبالون بالدِّين ولو كانت شرافة الدِّين عندهم تعادل في قيمتها أو وزنها - فضلاً عن التفوّق - الاجتماعَ المدنيّ في الفضل لحكموا فيه بما حكموا في ذلك .
على‏ أنّ الإسلام يشرّع للدنيا لا لقوم خاصّ واُمّة معيّنة ، والملل الراقية إنّما حكمت بما حكمت بعد ما أذعنت بتمام التربية في أفرادها وحسن صنيع حكوماتها ودلالة الإحصاء في مورد الجنايات والفجائع على‏ أنّ التربية الموجودة مؤثّرة وأنّ الاُمّة في أثر تربيتهم متنفّرة عن القتل والفجيعة فلا تتّفق بينهم إلّا في الشذوذ ، وإذا اتّفقت فهي ترتضي المجازاة بما دون القتل ، والإسلام لا يأبى عن تجويز هذه التربية وأثرها الذي هو العفو مع قيام أصل القصاص على‏ ساق .
ويلوّح إليه قوله تعالى‏ في آية القصاص : (فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِن أخيهِ شَي‏ءٌ فَاتِّباعٌ بالمَعْرُوفِ وأداءٌ إلَيهِ بِإحْسانٍ)۲ ، فاللسان لسان التربية ، وإذا بلغ قوم إلى حيث أذعنوا بأنّ الفخر العموميّ في العفو لم ينحرفوا عنه إلى‏ مسلك الانتقام .

1.الزلزلة : ۷ ، ۸ .

2.البقرة : ۱۷۸ .

الصفحه من 10