مَعرِفةُ اللَّهِ‏ - الصفحه 53

وهذا هو الذي نسمّيه غاية الفاعل في فعله وغرضه من فعله . وقد قطعت الأبحاث الفلسفيّة أنّ الفعل بمعنى الأثر الصادر عن الفاعل إراديّاً كان أو غير إراديّ لا يخلو من غاية .
وكون الفعل مشتملاً على‏ جهة الخيريّة المترتّبة على‏ تحقّقه هو المسمّى‏ بمصلحة الفعل ، فالمصلحة التي يَعدّها العقلاء - وهم أهل الاجتماع الإنسانيّ - مصلحةً هي الباعثة للفاعل على‏ فعله ، وهي سبب إتقان الفعل الموجب لعدّ الفاعل حكيماً في فعله ، ولولاها لكان الفعل لغواً لا أثر له .
ومن الضروريّ أنّ المصلحة المترتّبة على الفعل لا وجود لها قبل وجود الفعل ، فكونها باعثة للفاعل نحو الفعل داعية له إليه إنّما هو بوجودها علماً لا بوجودها خارجاً ؛ بمعنى‏ أنّ الواحد منّا عنده صورة علميّة مأخوذة من النظام الخارجيّ بما فيه من القوانين الكلّيّة الجارية والاُصول المنتظمة الحاكمة بانسياق الحركات إلى‏ غاياتها والأفعال إلى‏ أغراضها وما تحصّل عنده بالتجربة من روابط الأشياء بعضها مع بعض ، ولا ريب أنّ هذا النظام العلميّ تابع للنظام الخارجيّ مترتّب عليه .
وشأن الفاعل الإراديّ منّا أن يطبّق حركاته الخاصّة المسمّاة فعلاً على ما عنده من النظام العلميّ ، ويراعي المصالح المتقرّرة فيه في فعله ببناء إرادته عليها ؛ فإن أصاب في تطبيقه الفعل على العلم كان حكيماً في فعله متقناً في عمله ، وإن أخطأ في انطباق العلم على المعلوم الخارجيّ وإن لم يصب لقصور أو تقصير لم يُسمَّ حكيماً ، بل لاغِياً وجاهلاً ونحوهما .
فالحكمة صفة الفاعل من جهة انطباق فعله على النظام العلميّ المنطبق على النظام الخارجيّ ، واشتمال فعله علَى المصلحة هو ترتّبه على‏ الصورة العلميّة المترتّبة على‏الخارج، فالحكمة بالحقيقة

الصفحه من 60