الروحيّة ، لكنّه ينادي لذلك من مكان بعيد ، وهو ظاهر .
وللرواية معنى آخر أدقّ مستخرج من نتائج الأبحاث الحقيقيّة في علم النفس ، وهو أنّ النظر في الآيات الآفاقيّة والمعرفة الحاصلة من ذلك نظر فكريّ وعلم حصوليّ ، بخلاف النظر في النفس وقواها وأطوار وجودها والمعرفة المتجلّية منها ، فإنّه نظر شُهوديّ وعلم حضوريّ ، والتصديق الفكريّ يحتاج في تحقّقه إلى نظم الأقيِسَة واستعمال البرهان ، وهو باقٍ ما دام الإنسان متوجّهاً إلى مقدّماته غير ذاهل عنها ولا مشتغل بغيرها ، ولذلك يزول العلم بزوال الإشراف على دليله وتكثُر فيه الشُّبهات ويثور فيه الاختلاف .
وهذا بخلاف العلم النفسانيّ بالنفس وقواها وأطوار وجودها فإنّه من العِيان ، فإذا اشتغل الإنسان بالنظر إلى آيات نفسه ، وشاهدَ فَقرها إلى ربّها ، وحاجتَها في جميع أطوار وجودها ، وجد أمراً عجيباً ؛ وجد نفسه متعلّقة بالعَظَمة والكبرياء ، متّصلة في وجودها وحياتها وعلمها وقدرتها وسمعها وبصرها وإرادتها وحبّها وسائر صفاتها وأفعالها بما لا يتناهى بهاءً وسناءً وجمالاً وجلالاً وكمالاً من الوجود والحياة والعلم والقدرة ، وغيرها من كلّ كمال .
وشاهدُ ما تقدّم بيانه أنّ النفس الإنسانيّة لا شأن لها إلّا في نفسها ، ولا مَخرجَ لها من نفسها ، ولا شُغل لها إلّا السَّير الاضطراريّ في مسير نفسها ، وأ نّها منقطعة عن كلّ شيء كانت تظنّ أ نّها مجتمعة معه مختلطة به إلّا ربّها المحيط بباطنها وظاهرها وكلّ شيء دونها ، فوجدت أ نّها دائماً في خلاء مع ربّها وإن كانت في ملأ من الناس ، وعند ذلك تنصرف عن كلّ شيء وتتوجّه إلى ربّها ، وتنسى كلّ شيء وتذكر ربّها ، فلا يحجبه عنها حجاب ولا تستتر عنه بستر ، وهو حقّ المعرفة الذي قُدّر لإنسان .