الأمانة (تفصیلی) - الصفحه 6

رابعا : سعة اُفق الأمانة

إنّ للأمانة اُفقا واسعا للغاية من منظار الإسلام ، فكلّ نعمة أنعم اللّه ـ تعالى ـ بها على الإنسان ، وكلّ عمل يُناط به ، وكلّ مسؤولية تجعل على عاتقه ؛ كلّ ذلك في الحقيقة أمانة أوكلت إليه . بناءً على ذلك فإنّ الآيات الّتي تحثّ الناس على رعاية الأمانة تشمل جميع مجالاتها . وفيما يلي نذكر مجالات الأمانة استنادا إلى الاستنتاج الّذي توصّلنا إليه في الفصل الرابع :
1 . مجال السياسة : ففي النظام الإسلامي كل شخص يتمتّع بالسلطة السياسية هو حامل لأمانة اللّه ـ تعالى ـ ، والناس وكلّ من تمتّع بمكانة سياسية أعلى وسلطة أكبر ، فإنّ عب ء أمانته سيكون أكثر ثقلاً وفداحةً ، على هذا الأساس فإنّ عب ء أمانة القائد أكثر فداحةً من الجميع ، لذلك فإنّ أئمّة الإسلام كانوا يستعينون باللّه ـ تعالى ـ لأداء مسؤولياتهم الخطيرة . ۱
2 . المجال الثقافي : فعب ء أمانة العلماء والقادة الثقافيّين للمجتمع هو الأخطر بعد المسؤولين السياسيّين ، فالعلم والمعرفة هما أمانة إلهيّة يجب على المسؤولين الثقافيين أن يزاوجوا بين العمل بها وبين تهيئة الأرضية لعمل الآخرين بها .
لكنّ بعض المعارف ، أمانات تعدّ من الأسرار الإلهيّة ، ويُعدّ نقلها إلى الّذين لا يتحملونها خيانةً خطيرة . ۲
3 . المجال الاقتصادي : يعدّ المجال الاقتصادي أوضح مجال للأمانة لدى الناس ، والملاحظة الملفتة للنظر في هذا المجال هي ان الرؤية الإسلامية للأمانة الاقتصادية ترى أنّ الإنسان المسلم ليس له حقّ في التعدّي على حقوق الآخرين فحسب ، بل إنّ أمواله الشخصية أمانة لديه أيضا ولا يمكنه أن ينفقها في أيّ مجال يرغب فيه ، لذلك فإنّ الإسراف في إنفاق الأموال يُعدّ خيانةً أيضا . ۳
4 . المجال الأخلاقي : إنّ رقعة حفظ الأمانة واسعة للغاية في مجال الأخلاق ، وفي الحقيقة فإنّ الاتّصاف بأنواع الصفات الحميدة واجتناب الصفات الذميمة ، إنّما هما أداء لأمانة الضمير الأخلاقي الّذي أنعم اللّه ـ تعالى ـ به على الإنسان ، لذلك فإنّ الروايات اعتبرت أُمورا مثل : الصدق والورع والعفاف والوفاء والتعاون لإقامة الحقّ وجزاء الإحسان بالإحسان ، وحفظ أسرار الناس ، من مصاديق أداء الأمانة .
5 . المجال العملي : كلّ عمل يُوكل إلى الإنسان يُعدّ أمانة من وجهة نظر الإسلام ، لذلك فإنّ الأجير ۴ أمين ، فكان رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقول :
إنَّ اللّه َ عز و جل يُحِبُّ إذا عَمِلَ أحَدُكُم عَمَلاً أن يُتقِنَهُ . ۵
6 . مجال التكاليف الإلهيّة : إنّ المنهج الّذي قدّمه اللّه ـ تعالى ـ لحياة الإنسان هو في الحقيقة أعظم نعمة وأمانة إلهيّة لتكامله المادّي والمعنوي والسعادة الدنيوية والاُخروية ، وقد بُعث جميع الأنبياء بهدف نقل هذه الأمانة إلى المجتمع البشري ، هكذا يُعدّ السير على هذا النهج حفظا للأمانة ، ومخالفته خيانة .

1.راجع : ص ۴۵ (موجبات الأمانة / الاستعانة باللّه عز و جل) .

2.راجع : ص ۵۸ (أصناف الأمانات / الأمانات الثقافية) وص ۹۴ (من لا يصلح للائتمان / الخائن) .

3.راجع : ص ۵۹ (أصناف الأمانات / الأمانات الإقتصادية) و ص ۹۴ (من لا يصلح للائتمان / الخائن) .

4.راجع : ص ۸۹ (أصناف الاُمناء / الأجير) .

5.المعجم الأوسط : ج ۱ ص ۲۷۵ ح ۸۹۷ ، مسند أبي يعلى : ج ۴ ص ۲۵۳ ح ۴۳۶۹ كلاهما عن عائشة ، الطبقات الكبرى : ج ۸ ص ۲۱۶ ، تاريخ دمشق : ج ۳۴ ص ۲۹۰ ح ۷۰۰۸ كلاهما عن سيرين اُمّ عبد الرحمن بن حسان بن ثابت ، كنز العمّال : ج ۳ ص ۹۰۷ ح ۹۱۲۸ .

الصفحه من 92