منهج تفسير القرآن بالقرآن في مرويات الكافي للشيخ الكليني - صفحه 394

وكان إدراك ما في نفوس الناس وما تختلج به تصوّراتهم العقلية أمرا عسيرا ومستصعبا، عبّر سبحانه عن الحالين بلفظة «الإدراك» ؛ لأنّ الإدراك يعني اللحاق، وهو لا يستعمل إلّا لمعنى الفوت والضياع، فنلحظ أنّ فيه دلالة التلهّف والإسراع ، فيكون استعمال هذه المفردة ملائماً تامّاً للدلالة العامّة للآية .
فالمعنى لا يلحقنّ أحد البتّة برؤيته سبحانه مهما تلهّف وأسرع ؛ لأنّ الأمر فائت على الجميع ، وكذا الحال لقوله «وهو يدرك الأبصار»، فالمعنى أنّ هذا اللحوق بالأبصار أمر صعب فائت على الجميع، فهو من المستحيل بمكانٍ ما، يدعو إلى أن يعبّر عنه تعالى بلفظة «الإدراك»، ولكن على الرغم من استحالة هذا الأمر وفقدان القدرة لدى الجميع على بلوغه والوصول إليه، فإنّ اللّه تعالى قادر عليه، بل هو الذي يدرك الأبصار جميعاً في كلّ زمان وفي أيّ مكان كانت، وهذا يدلّ على مدى استطالته وسيطرته سبحانه على مخلوقاته .
هذا من جهة، أمّا من جهةٍ أُخرى فيدلّ هذا الانتقاء اللفظي على الروعة القرآنية والإعجاز الخطابي في عملية استعمال المفردة المناسبة للمقام المناسب، إلى الحدّ الذي يمكن معه اختزال دلالات عدّة في لفظة واحدة، فضلاً عن أنّ جميع المفردات التي تركّب منها السياق تدلّ دلالة مترابطة ومتماسكة على المعنى العامّ أو المضمون المركزي الذي يريد المتكلّم إيصاله للمتلقّي، وهذا يدعو إلى الإيمان القاطع بتفسير الإمام للفظة «الأبصار» بالبصر العقلي، فهو حقّاً لا تدركه الأبصار ولا تبلغ كنه خطابه كبار العقول وروائع التصوّرات والأوهام .

المطلب الرابع : بيان إبهام لفظة «المصلّين» في آية سورة المدثّر

لقد نقل الكليني عن الإمام الصادق عليه السلام ـ فيما نقله عنه من موارد التفسير القرآني ـ إيضاحه للفظة «المصلّين» في قوله تعالى: «مَا سَلَكَكُمْ فِى سَقَرَ * قَالُواْ لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ»۱ ، حيث أورد: «عن إدريس بن عبد اللّه ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، قال : سألته

1.المدثّر : ۴۲ ـ ۴۳.

صفحه از 406