405
البضاعة المزجاة المجلد الثانی

وجعل النفس تابعة له في تلك [التجارة]؛ لأنّه يستعين بها وبقواها الباطنة والظاهرة التي هي بمنزلة الخدم لها في تلك التجارة، كما يستعين التاجر الدنيوي بشريكه، ثمّ يحاسبه اللّه تعالى لكونه الشريك الأعظم في مواقف القيامة التي هي موقف المعرفة وموقف الإيمان وموقف الرسالة وموقف الولاية، وموقف غيرها من الحقوق والطاعات .
فوجب على العقل أن يحاسب النفس في أوان التجارة؛ ليأمن من خيانتها، ويجعلها مطمئنّة، ويسهّل له الحساب في مواقف القيامة، أو يتخلّص منه .
وحقيقة تلك المحاسبة أن يضبط عليها أعمالها وحركاتها وسكناتها وخطراتها ولحظاتها، ولا يغفل عن مراقبتها، ويصرفها إلى الخيرات، ويزجرها عن المنهيّات، ويعاتبها، ويجاهدها، ويعاقبها؛ فإن رأى أنّها مالت إلى كسب معصية، أو ترك طاعة، يوبّخها بأنّ ذلك من الحمق والجهل باللّه وبأمر الآخرة، وبعقوباتها وخسرانها، ويجاهدها حتّى ترجع عنه إلى الخير، وهكذا يفعل بها في حال جميع الاكتسابات، حتّى تصير منقادة مطمئنّة، تصلح أن تخاطب ب «يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً»۱ ، وقوله تعالى في سورة المعارج : «تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ * فَاصْبِرْ صَبْرا جَمِيلاً»۲ . ۳
وفي بعض نسخ الكتاب: «خمسين ألف سنة ممّا تعدّون» . ولعلّه كان في مصحفهم عليهم السلام كذلك، أو بيان للمدّة، أو اشتباه من الرواة، أو النسّاخ .
قال البيضاوي :
الآية استئناف لبيان ارتفاع تلك المعارج، وبعد مداها على التمثيل والتخييل ، والمعنى أنّها بحيث لو قدّر قطعها في زمان، لكان في زمان يُقدّر بخمسين ألف سنة من سني الدُّنيا .
وقيل : معناه تعرج الملائكة والروح إلى عرشه في يوم كان مقداره كمقدار خمسين ألف سنة من حيث إنّهم يقطعون فيه ما يقطع الإنسان فيها، لو فرض لا أنّ ما بين أسفل العالم وأعلى شرفات العرش مسيرة خمسين ألف سنة؛ لأنّ ما بين مركز

1.الفجر (۸۹) : ۲۷ و ۲۸ .

2.المعارج (۷۰) : ۴ .

3.القائل هو المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه ، ج ۱۲ ، ص ۱۳۶ و ۱۳۷ .


البضاعة المزجاة المجلد الثانی
404

ولهم روايات كثيرة في هذا المعنى، إلّا أنّ في بعضها: «فلينفث». وفي بعضها: «فليبصق». والتفل والنفث والبصق بمعنى واحد، والتفاوت بالقلّة والكثرة، كما يفهم من كلام الجوهري. وكون ذلك على اليسار؛ لأنّها محلّ الشيطان والأقذار .
وقيل : يحتمل أن يجعل اللّه ذلك التفل ممّا يطرد به الشيطان ويبعده . انتهى .
وأنت خبير بأنّ الإشكال الذي أورده مندفع بما نقلناه أوّلاً من الاحتمال ، على أنّ هذا الإشكال على تقدير وروده إنّما يرد على نسخة «عن» دون «على»، كما لا يخفى .

متن الحديث الثامن والمائة (حديث محاسبة النفس)

۰.عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ وَعَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ، جَمِيعا عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ الْمِنْقَرِيِّ، عَنْ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ، قَالَ:قَالَ أَبُو عَبْدِ اللّهِ عليه السلام : «إِذَا أَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ لَا يَسْأَلَ رَبَّهُ شَيْئا إِلَا أَعْطَاهُ، فَلْيَيْأَسْ مِنَ النَّاسِ كُلِّهِمْ، وَلَا يَكُونُ لَهُ رَجَاءٌ إِلَا مِنْ عِنْدِ اللّهِ عَزَّ ذِكْرُهُ، فَإِذَا عَلِمَ اللّهُ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ ذلِكَ مِنْ قَلْبِهِ، لَمْ يَسْأَلْهُ شَيْئا إِلَا أَعْطَاهُ؛ فَحَاسِبُوا أَنْفُسَكُمْ قَبْلَ أَنْ تُحَاسَبُوا عَلَيْهَا، فَإِنَّ لِلْقِيَامَةِ خَمْسِينَ مَوْقِفا، كُلُّ مَوْقِفٍ مِقْدَارُهُ أَلْفُ سَنَةٍ».
ثُمَّ تَلَا: «فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ۱أَلْفَ سَنَةٍ مِمّا تَعُدُّونَ» . ۲

شرح

السند ضعيف .
قوله : (فحاسبوا أنفسكم) .
قال بعض الأفاضل :
جعل اللّه العقل والنفس تاجرين شريكين في التجارة للآخرة ، وجعل العمر رأس المال، والطاعة والقُرب ودخول الجنّة ربحها ، والمعصية والبُعد والخلود في النار خسرانها ، وجعل العقل لاتّصافه بالأمانة أميرا رقيبا حاكما على النفس الأمّارة؛ لاتّصافها بالخيانة، ولذلك خاطبه بقوله : «بك اُثيب، وبك اُعاقب» .

1.في الطبعة الجديدة وجميع النسخ التي قوبلت فيها والوافي وشرح المازندراني : + «خمسين».

2.السجدة (۳۲) : ۵ .

  • نام منبع :
    البضاعة المزجاة المجلد الثانی
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : احمدی جلفایی، حمید
    تعداد جلد :
    3
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 154500
صفحه از 624
پرینت  ارسال به