حجّية الحديث المعنعن، و ما يثار حوله شبهة في قبال البديهة - صفحه 55

حجّية الحديث المعنعن وما يُثار حوله شبهة في قبال البديهة

السـيّد محمّـد رضا الحسيني الجلالي

الحمـد لله ربّ العالميـن ، والصلاة والسـلام على خاتم الأنبـيـاء والمرسلين ، محمّـد الصادق الأمين ، وعلى الأئمّة المعصومين من أهل بيته الطاهرين .
وبعـد ،
فإنّ أهمّـيّة الحديث الشريف في الدين غير خافيـةٍ على أحدٍ من المlسلمين ، إذ هو طريق رَحْبٌ من طرق الشريعة المطهّرة والسُـنّة الشريفة ، بل هو لسـانها الناطق ، ومصدرها الصـادق ، ومنبعها المَعين من مبلّغها الأمين صلّى الله عليه و آله و سلّم ، وعليه بعد الكتاب الحكيم اعتماد الدين .
ولذلك تكاثفت الجهود الكريمة والحميدة على العناية به ، سواء من مصادره الرئيسـيّة وهم النبيّ والأئمّـة المعصومين عليهم السّلام ، الّذين لم يألوا جهداً في بثّه ونشره والتأكيد على روايته وحمايته ، وحفظه على صفحات القلوب وفي أعماق النفوس ،
وصفحات الأوراق والطروس .
أم من العلماء الأُمناء على هذا الدين ومصادره وأحكامه ، الّذين تناقلوه ورووه بتمام الدقّة والرعاية في الضبط والإتقان ، وبتمام الذوق والدراية في التصنيف والتبويب ، حتّى تألّفت من ذلك هذه الكنوز الحديثيّة المتوفّرة للأُمّة للاهتداء بهدي محتواها ، والاستضاء ة بنور هداها ، لكونها من أغنى كنوز المعرفة البشريّة وأضخمها وأوسعها وأهداها .
وبموازاة ذلك بَذَلَ أعداءُ هذا الدين جهوداً مُضنيةً ، مسـتميتةً ، للحيلولة دون تدفّق هذه المادّة الحيويّة ، ودون استمرار هذه العَيْن الزخّارة ، ودون دوام هذا المَعين الثرّ ، فَسَعَوا بشتّى السُبُل في الصدّ عنه ، والمنع من الارتواء منه ، وإبادة مادّته ، وتعكير صفوه ، وتحريف مساره ، وتشويه معناه ، والتشكيك فيه ، مشدّدين عليه بالتقليل من أهمّـيّته ، وإلقاء الشُـبَه في الموروث والمتناقَل منه بوضع الأحاديث المزيّفة وخلطها به .
ولم تنقطع محاولاتُ الأعداء ، منذ عصر الرسالة حتّى العصر الحاضر ، إذ نشهد حملاتٍ وقحةً وشرسةً يقودها اليهود والنصارى من خارج البلاد الإسلامية ، ويرقُص على نعيقهم حثالات من عملائهم في الداخل ، يروّجون للشُـبَه المُثارة ، رغم تفاهتها وهزالها ، فيُثيرون بها الغُبار في وجه الحديث الشريف ، بلسان البحث العلميّ ، والنقد العقليّ ، والدراسة التاريخيّة ، وما أشبه ذلك من العناوين الخلّابة والبرّاقة ، يسـتهوون بها عقول الأبرياء من ناشئة الحوزات والجامعات ، غير المطّلعين على وجهات النظر الصحيحة للبحوث التخصُّصية الدائرة حول الحديث ، واكتفائهم بالمطالعات السطحيّة أو المعلومات الساذجة مع أنّ الحديث وشؤونه ، قد أصبح بعد تلك المدّة المديدة والجهود العديدة «عِلْماً» مستقلّاً ، له أُصوله وقواعده ومصطلحاته وقوانينه وأسراره ، الذي لا يمكن الاطّلاع عليه ولا اسـتيعابه بدونها ، وبدون التمكّن منها ، كما هو شأن
كلّ عِلمٍ .
فبدلاً من أنْ يحاولوا رفع مستوياتهم العلمية في معرفة العربية وآدابها ، كي يفهموا ما ورد في نصوص الحديث الشريف ، لجّوا في تزييف أسانيد النصوص ، ولجأوا إلى إيراد الاحتمالات البعيدة ، في الأحكام الشرعية! وعمدوا إلى التشـبّث بأدنى شبهة تُضعِف الحديث وتوهنه ، وتخلّص (الأُستاذ!) من الحَوْم حول فقهه ودلالته ولغته ونحوه وأدبه وبيانه وبلاغته .
ومما أثير هو عدم حجيّة الحديث المعنعن لشبهة مطروحة ملخصها: أنّ «عن» تختص بأداء الإجازة ، والإجازة لا اعتبار لها ...؟!!
فمضافاً إلى ضَعْفِ المقدّمات والأُسس التي بُنيت عليها تلك الشبه من حيث مدلول «عن» لغةً واصطلاحاً ، ومعنى «الإجازة» ودورها العلميّ ، وتاريخ العنعنة والبحث حولها .
فهي شبهة في مقابل البديهة ، لأدائها الى إسقاط التراث الحديثيّ كافّةً عن الحجيّة والاعتبار!!
وقد رأيتُ من الضروري عرض هذا البحث لتنكشف جوانبه كلّها لأهل العلم ، وتفنّد تلك المزعومة الزائفة ، ويظهر عوارها لكلّ منصف أمين .والله الموفّق والمعين .
وكَـتَبَ
السـيّد محمّـد رضا الحسيني الجلالي
كان الله له

صفحه از 162