293
حياة الشيخ محمد بن يعقوب الكليني

حياة الشيخ محمد بن يعقوب الكليني
292

ثانيا ـ كتاب الردّ على القرامطة:

نشأت حركة القرامطة بعد منتصف القرن الثالث الهجري، وظهرت في الكوفة (سنة / 278 ه ) ثمّ (سنة / 286 ه )، وامتازت تلك الحركة بعنفها وعدم هوادتها، مع الشدّة والصرامة، والاستخفاف الكبير بالدولة العبّاسية وقادتها، والاستهانة بالدماء إلى حدّ عظيم، وقد برز من قادتها: أبو سعيد القرمطي، وحمدان بن الأشعث قرمط، وصاحب الشامة الذي قتل (سنة / 291 ه )، وزكرويه بن مهرويه الذي قتل (سنة / 294 ه )، وقد راح ضحيّة هجماتهم المتكرّرة على مدن العراق والحجاز ودمشق آلاف الضحايا الأبرياء، وبلغت قوّتهم في عصر الكليني رحمه اللهأنّه لم يقدر على الوقوف بوجههم جيش مقاتل، ولم تصمد أمامهم مدينة محاربة، وكان مجرّد احتمال مهاجمتهم لبعض المناطق موجبا لبثّ الرعب الشديد في الناس، وانهيار معنويّاتهم، وقطع القرامطة الطريق على المسلمين حتى توقّف الحجّ في زمانهم من (سنة / 322 ه ) إلى (سنة / 327 ه )، وكانوا قبل هذا التاريخ قد أخذوا المكس على الحاج حيث فرضوا على كلّ نفر يريد الحجّ خمسة دنانير، وقد تولّى دفعها عن جميع الحجّاج العراقيين السيّد أبو علي بن يحيى العلوي الشيعي.ومن جرائم القرامطة الكبرى في تاريخ حركتهم، أنّهم اعتدوا على حرمة الكعبة المشرّفة (سنة / 317 ه ) فدخلوا الحرم المكّي الشريف، وقتلوا الحاج أثناء الطواف، وطرحوا القتلى في بئر زمزم، وعرّوا الكعبة المشرّفة من كسوتها، وقلعوا بابها، كما اقتلعوا الحجر الأسود وبقي عندهم أكثر من عشرين سنة في عاصمتهم هجر إلى أن رُدّ إلى مكانه بفضل الدولة الفاطمية بمصر.وقد كانت للقرامطة آراء واعتقادات فاسدة كثيرة، وفيها الكثير الدال على كفرهم ومروقهم من الدين الحنيف كما نصّ على هذا أصحاب المقالات والفِرَق كالأشعري والنوبختي وغيرهم ۱ ، وقد انتهت حركتهم وتمّ إخمادها بعد زمان المقتدر باللّه العبّاسي (295 ـ 320 ه ).كلّ هذا حمل علماء الإمامية للتصدّي إلى تلك الحركة قبل ظهورها بالكوفة كما يظهر بكلّ وضوح من كتاب الفضل بن شاذان النيسابوري (ت / 260 ه ) المعنون بكتاب الردّ على الباطنية والقرامطة ۲ وغيره ممّن ذكره الشيخ آقا بزرك الطهراني في الذريعة ۳ .ومنهم أيضا ثقة الإسلام الكليني المعاصر لتلك الحركة في تأليفه هذا الكتاب الذي نسبه للكليني النجاشي ۴ والشيخ الطوسي ۵ ، والذي تبرز أهميّته ـ على الرغم من كونه من المؤلّفات المفقودة ـ من جهتين، وهما:الاُولى ـ الجهة العقائدية: وتبرز هذه الجهة في مسألة دفاع الكليني رحمه اللهفي كتابه هذا عن العقيدة الإسلامية أزاء كلّ تصرّف منحرف يقع على الإسلام باسمه، لا سيّما ما اختاره القرامطة من اعتقادات فاسدة، فضلاً عن اعتداءآتهم الصارخة على مقدّسات المسلمين، لم يشأ الكليني أن يقف بإزائها مكتوف الأيدي، بل أثارت تلك الإنحرافات غيرته على الإسلام، فانبرى إلى تأليف ذلك الكتاب كتعبير عن وجهة النظر الإسلامية الصائبة إزاء تلك الحركة.الثانية ـ الجهة التاريخية: وهذه الجهة لا يمكن إغفالها في خصوص هذا الكتاب؛ لأنّ مؤلّفه قد عاصر هذه الحركة، ولو وصل إلينا هذا الكتاب لعرفنا الكثير عن تاريخ تلك الحركة وأهدافها التي لا زال الغموض يكتنف بعض جوانبها على الرغم من تعرّض أكثر المصادر التاريخية إليها.ولا يخفى ما يحمله عنوان (الردّ على القرامطة) من مسحة كلامية، الأمر الذي يشير إلى تضلّع ثقة الإسلام الكليني بعلم الكلام الإسلامي.

1.. لخّصنا هذا الكلام بشأن تلك الحركة من المصادر والمراجع التالية: التنبيه والإشراف : ص ۳۲۲ ـ ۳۲۵ و ص ۳۳۰ و ۳۳۴ و ۳۳۵ و ۳۴۵، والكامل في التاريخ : ج ۶ ص ۳۹۶ و ۴۰۰ و ۴۰۹ و ۴۱۰ و ۴۱۷ و ۴۲۱ و ۴۲۸ و ۴۳۲ و ۴۳۷ و ۴۸۲، و ج ۷ ص ۱۵ و ۳۱ و ۳۲، والبداية والنهاية : ج ۱۱ ص ۹۲ و ۹۳ و ۹۸ و ۱۰۷ و۱۱۰ و۱۱۳ و۱۱۴ و۱۱۵ و۱۶۸ و۱۷۰ و۱۷۹ و۱۸۲ و۲۳۷ و۲۵۱، وتكملة تاريخ الطبري / محمّد بن عبدالملك الهَمَذَاني: ص ۲۶۳ ـ ۲۶۴ (مطبوع ضمن الجزء الحادي عشر من كتاب تاريخ الطبري)، وتجارب الاُمم : ج ۱ ص ۱۲۰، وفوات الوفيات : ج ۱ ص ۳۵۳، وتاريخ مختصر الدول : ص ۱۳۱، ومرآة الجنان : ج ۲ ص ۱۶۲ و ۱۶۳ و ۱۶۵ و ۱۶۶ و ۱۷۸، و صبح الأعشى : ج ۴ ص ۱۶۹ و ۲۷۲ و ۲۷۳، وتاريخ الخلفاء : ص ۲۹۷ و ۳۰۷ و۳۱۴ و۳۱۸، والحضارة الإسلامية / آدم متز : ج ۲ ص ۶۹، وقرامطة العراق / محمّد فتّاح عليان : ص ۱۵۴، وفِرَق النوبختي : ص ۸۳ ـ ۸۶ ، ومقالات الإسلاميين واختلاف المصلّين / أبو الحسن الأشعري: ص ۲۶، والفصل في الملل والأهواء والنحل / ابن حزم : ج ۱ ص ۱۰۹ و ۳۷۲، و ج ۳ ص ۱۱۸ .

2.. الفهرست للطوسي : ص ۱۹۸ الرقم ۵۶۳ (۱).

3.. الذريعة : ج ۱۰ ص ۲۱۷ .

4.. رجال النجاشي : ص ۳۷۷ الرقم ۱۰۲۶.

5.. الفهرست للطوسي : ص ۲۱۰ الرقم ۶۰۲ (۱۷).

  • نام منبع :
    حياة الشيخ محمد بن يعقوب الكليني
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث با همکاری سازمان اوقاف و امور خیریه
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1387
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 289562
صفحه از 532
پرینت  ارسال به