289
حياة الشيخ محمد بن يعقوب الكليني

حياة الشيخ محمد بن يعقوب الكليني
288

المبحث الثاني: مؤلّفات ثقة الإسلام الكليني

كان ثقة الإسلام الكليني رحمه الله ـ وبسبب ما استغرقه الكافي من وقت طويل ـ من العلماء المقلّين في التأليف والتصنيف إذا ما قورن بغيره من علماء الإمامية كالشيخ الصدوق والشيخ المفيد، والشيخ الطوسي رضي اللّه تعالى عنهم.وممّا يؤسف له حقّا هو ضياع مؤلّفات الكليني ومصنّفاته سوى كتابه الكافي على الرغم من وصول بعضها إلى أزمان متأخّرة كما يظهر من النقل المتأخّر منها مباشرة وبلا واسطة، ويظهر من أسماء مؤلّفاته تلوّن الثقافة فيها كما سيأتي كلّ في محلّه، وهي:

أوّلاً ـ كتاب تعبير الرؤيا:

المراد بالرؤيا، ما يراه النائم في نومه، أو الذي خمدت حواسّه الظاهرة بإغماء أو ما يشابهه ۱ ، وهي: «تصوّر المعنى في المنام على توهّم الأبصار، وذلك أنّ العقل مغمور بالنوم، فإذا تصوّر الإنسان المعنى توهّم أنّه يراه» ۲ .والرؤيا على ثلاثة أقسام:
ـ صادقة لا تحتاج إلى عناء أو جهد في التأويل، لظهور المعنى فيها، كرؤيا الأنبياء عليهم السلام ، التي لا تكون إلّا صادقة كفلق الصبح. وصادقة أيضا ولكنّها بحاجة إلى تأويل.ـ ورؤيا كاذبة، وهي أضغاث أحلام ۳ ، وتكون من الشيطان، كادّعاء بعض العامّة رؤيتهم اللّه عزّ وجل في المنام، تعالى اللّه عن ذلك علوّا كبيرا، وقد وضعوا بعض الأحاديث، لأجل رؤية اللّه عزّ وجل!! كحديث صلاة يوم الجمعة الذي صرّح ابن الجوزي بأنّه حديث موضوع ۴ .وأمّا تعبير الرؤيا ، فهو: «علم بقوانين كلّية يبيّن عليها المعبّر عبارة ما يُقَصّ عليه» ۵ .وكتاب تعبير الرؤيا ذكره النجاشي من جملة كتب الكليني ۶ ، ومثله في معالم العلماء لابن شهرآشوب ۷ وسمّاه الشيخ الطوسي ـ في ترجمة الكليني ـ : «كتاب تفسير الرؤيا» ۸ .وقال السيّد الخوانساري في روضات الجنّات في ترجمة الكليني: «وقال أيضا صاحب التوضيح ـ المتقدّم ذكره ـ في ذيل ترجمة أبي العبّاس الضرير: لا يُعرَف [له ]إلّا كتاب تعبير الرؤيا ، وقال قوم إنّه لأبي جعفر الكليني وليس له، فليلاحظ.ـ ثمّ عقّب عليه بقوله ـ : وقد ينكر كون كتاب الروضة أيضا من جملة كتب الكليني من جهة عدم اتّصال سندنا إليه أو غير ذلك، فلا تغفل»! ۹ .وهذا هو محض اشتباه؛ لأنّ ما نقله عن صاحب التوضيح قاله النجاشي في ترجمة أحمد بن إصفهبذ أبي العبّاس الضرير، قال: «لا يعرف له إلّا كتاب تعبير الرؤيا، وقال قوم: إنّه لأبي جعفر الكليني، وليس هو له» ۱۰ .وكذلك ذكر ابن داوود الحلّي كتاب تعبير الرؤيا لأبي العبّاس الضرير أيضا ، ثمّ قال: «ومنهم من ينسب كتابه إلى الكليني، وليس له» ۱۱ .ومورد الاشتباه في إرجاع الضمير بقول صاحب التوضيح: «وليس له» إلى الكليني، مع تصوّر حصول النزاع على كتاب واحد لا كتابين! وتوضيح ذلك: إنّه على تقدير أنّ جملة «وليس هو له» في كتاب النجاشي من كلام القوم، فلابد حينئذٍ من إرجاع الضمير المتّصل إلى أبي العبّاس، فهو نظير ما لو قيل: لا يعرف له إلّا كتاب تعبير الرؤيا ، وقال قوم: ليس هو له، بل لأبي جعفر الكليني، إذ لا يستقيم المعنى إلّا بهذا التقدير؛ لأنّ فرض أن يكون الكلام ـ إثباتا ونفيا لجهة واحدة في حال واحدة ـ غير معقول؛ إذ كيف يقول القوم أنّه للكليني ثمّ ينفونه عن الكليني نفسه؟وأمّا على تقدير انتهاء قولهم بجملة: «إنّه لأبي جعفر الكليني»، فستكون جملة «وليس هو له» من كلام النجاشي. وحينئذٍ إمّا أن يقال بعائديّة الضمير إلى أبي العبّاس، فيكون ـ والحال هذه ـ قد وافق على ما قاله القوم بنفي نسبة الكتاب إلى أبي العبّاس، وأثبتها إلى الكليني! ولكن هذا الاحتمال ضعيف، وإلّا لما ذكر النجاشي هذا الكتاب لأبي العبّاس أصلاً، وأيّ فائدة من القول مثلاً بأنّ لفلان كتاباً وهو ليس له؟!وإمّا أن يقال بعائديّته إلى ثقة الإسلام، وحينئذٍ سيكون النجاشي قد ردّ بكلامه هذا أصل تلك الحكاية، وأثبت الكتاب لأبي العبّاس، وهو الصحيح، ولكن لا دليل فيه على نفي كتاب ثقة الإسلام الذي حمل مثل هذا العنوان أيضا، ويدلّ عليه أنّ النجاشي ذكر هذا الكتاب للكليني في ترجمته من غير إثارة ما يحتمل التشكيك في صحّة نسبته إليه، وعلى هذا يحمل كلام الشيخ في الفهرست في ترجمة أحمد بن إصفهبذ، قال: «لم يعرف له إلّا الكتاب الذي بأيدي الناس في الرؤيا، وهم يعزّونه إلى أبي جعفر الكليني، وليس كذلك، وفيه أحاديث».إذ لا مانع من أن يقف الشيخ على الكتابين ويحكم باشتباه الناس فيما يعزّونه منهما إلى الكليني؟ خصوصا مع وجود عِدّة كتب لأعلام الإمامية تحمل عنوان تعبير الرؤيا أيضا، ككتاب تعبير الرؤيا لأحمد بن محمّد بن خالد البرقي ۱۲ وغيره ۱۳ .هذا، وأمّا ما قاله السيّد الخوانساري في خصوص عدم اتّصال الإسناد إلى الروضة، فهو عجيب حقّا.فالنجاشي ذكر هذا الكتاب ضمن كتب الكافي، وقال الشيخ (وكتاب الروضة آخر كتب الكافي) وذكرا بقيّة كتبه مع بيان عِدّة طرق إليها تفصيلاً وهي صحيحة معتبرة بالاتّفاق، وسيأتي الحديث عن كتاب الروضة في مكان آخر مبسوطا.وممّا يكشف عن علم ثقة الإسلام بتعبير الرؤيا ، وصحّة نسبة هذا الكتاب إليه، أنّه قد روى أحاديث كثيرة في خصوص تعبير الرؤيا في روضة الكافي ۱۴ ، مع توفّر النقل المباشر من هذا الكتاب من قبل علماء الإمامية ونسبته إلى الكليني رحمه الله.ففي مهج الدعوات للسيّد ابن طاووس الحسني (ت / 664 ه ) قدس سره، قال: «ومن كتاب تعبير الرؤيا لمحمّد بن يعقوب الكليني: أحمد، عن الوشّاء، عن أبي الحسن الرضا عليه السلام ، قال: رأيت أبي عليه السلام في المنام، فقال: يا بني ، إذا كنت في شدّة فأكثر أن تقول: يا رؤوف يا رحيم..» ۱۵ .وفي كتاب فرج المهموم للسيّد ابن طاووس أيضا: «فيما روي عمّن قوله حجّة في العلوم بصحّة علوم أهل النجوم، ما روينا بإسنادنا إلى محمّد بن يعقوب في كتاب تفسير الرؤيا بإسناده عن محمّد بن غانم، قال: قلت لأبي عبداللّه عليه السلام : عندنا قوم يقولون: النجوم أصحّ من الرؤيا.. الخبر» ۱۶ .وهذا الخبر نقله الحرّ العاملي بلفظه في الوسائل عن فرج المهموم ۱۷ .وقد أجاز الشيخ الحرّ العاملي للفاضل الهندي أن يروي عنه مصنّفات الكليني رحمه الله، وقد عدّ كتاب تعبير الرؤيا منها، كما في إجازات البحار ۱۸ .كما نقل العلّامة المجلسي في البحار جملة من أحاديث كتاب تعبير الرؤيا للكليني بتوسّط كتب السيّد ابن طاووس ۱۹ .

1.. الميزان في تفسير القرآن : ج ۱۱ ص ۷۹ في تفسير الآية الخامسة من سورة يوسف عليه السلام .

2.. مجمع البيان : ج ۵ ص ۲۶۹ في تفسير الآية الخامسة من سورة يوسف عليه السلام .

3.. تاريخ ابن خلدون : ج ۱ ص ۴۷۷ الفصل الثاني عشر في علم تعبير الرؤيا.

4.. كتاب الموضوعات لابن الجوزي : ص ۴۳ بعنوان (صلاة يوم الجمعة).

5.. المقدّمة لابن خلدون : ص ۲۹۹ ـ ۳۰۰.

6.. رجال النجاشي : ص ۳۷۷ الرقم ۱۰۲۶.

7.. معالم العلماء : ص ۹۹ الرقم ۶۶۶ .

8.. الفهرست للطوسي : ص ۲۱۰ الرقم ۶۰۲ (۱۷).

9.. روضات الجنّات : ج ۶ ص ۱۱۱ الرقم ۵۶۸.

10.. رجال النجاشي: ص ۹۷ الرقم ۲۴۱.

11.. رجال ابن داوود: القسم الأوّل ، ص ۳۶ الرقم ۶۲.

12.. رجال النجاشي: ص ۷۷ الرقم ۱۸۲.

13.. راجع تلك الكتب في الذريعة : ج ۴ ص ۲۰۶ ـ ۲۰۸ الأرقام من ۱۰۳۰ إلى ۱۰۴۲.

14.. راجع: روضة الكافي : ج ۸ ص ۷۶ ـ ۷۷ ح ۵۸ و۵۹ و۶۰ و۶۱ و۶۲، و ص ۱۵۹ ح ۲۰۶ و۲۰۷، و ص ۱۸۷ ح ۲۸۰ .

15.. مهج الدعوات : ص ۳۹۷ (دعاء في زمن الغيبة) .

16.. فرج المهموم : ص ۸۶ الرقم ۲ .

17.. وسائل الشيعة : ج ۱۱ ص ۳۷۰ ح ۱۵۰۴۹ (۹) باب ۱۴ باب تحريم العمل بعلم النجوم.

18.. بحار الأنوار : ج ۱۰۷ ص ۱۱۸.

19.. راجع: بحار الأنوار ج ۵۵ ص ۲۴۲ ح ۲۲، و ج ۵۸ ص ۱۶۶ ح ۱۷، و ج ۹۰ ص ۲۷۲ ح ۲، و ج ۹۲ ص ۲۸۳ ح ۷.

  • نام منبع :
    حياة الشيخ محمد بن يعقوب الكليني
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث با همکاری سازمان اوقاف و امور خیریه
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1387
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 289466
صفحه از 532
پرینت  ارسال به