239
حياة الشيخ محمد بن يعقوب الكليني

حياة الشيخ محمد بن يعقوب الكليني
238

كيفية تشخيص رجال العِدد المجهولة:

لقد مرّ أنّ العِدَد الثلاث الاُولى هي من العِدَد المعلومة؛ لتشخيص رجالها من قبل أعلام الطائفة المتقدّمين، يضاف لها عِدّة الكليني عن العمركي البوفكي التي ذكرها ابن قولويه رحمه اللهوإن لم تقع في الكافي، وأما غيرها فهي من العِدد المجهولة، وقد وقفتُ أخيرا على محاولة صاحب (الكليني والكافي) لتشخيص تلك العِدَد المجهولة والحكم بوثاقتها، وذلك باستخدامه معجم رجال الحديث للسيّد الخوئي من غير الإشارة إليه في عملية التشخيص!! إذ تابع موارد الكليني في المعجم الخاصّة بمشايخ الكليني المعلومين الذين رووا عن المشايخ الذين أخرج لهم الكليني بتوسّط العِدّةُ المجهولة، زاعما أنّ هؤلاء المعلومين هم رجال العِدّة المجهولة ولم يبيّن الوجه العلمي في ذلك، مع أنّ هذه الطريقة تخضع لقواعد حسابات الاحتمال التي أدخلها السيّد الشهيد محمّد باقر الصدر قدس سره في علمي الدراية والرجال ، ولو أردنا تطبيق تلك القواعد على أيّة عدّة مجهولة لما وصلنا إلى نتائج قطعيّة في التشخيص الإجمالي بل تبقى مجرّد احتمال يصعب الاعتماد عليه.وكمثال على ما نقول، فإنّ تعيين رجال العِدّة ـ وبيان صنف مايروونه بحسب المصطلح الجديد ـ عن إبراهيم بن إسحاق الأحمر، وهي عِدّة مجهولة يتوقّف تشخيصها ومعرفة وثاقة رجالها على جملة من الاُمور، وهي :1 ـ معرفة جميع مشايخ الكليني الذين رووا عن إبراهيم بن إسحاق الأحمر بأسمائهم.2 ـ أن يثبت بالاستقراء أنّهم من الثقات، أو كون القسم الأعظم منهم كذلك.3 ـ إجراء قواعد حسابات الاحتمال لإثبات عدم كون الواسطة (العِدّة) عن إبراهيم ابن إسحاق الأحمر من الضعاف أو المجاهيل، وذلك لاعتبار المروي عنها بعد تعيينها بنظر أرباب المصطلح الجديد في تصنيف الحديث.فلو فرض أنّ مجموع تلاميذ الأحمر كانوا عشرين تلميذا، وثبت لنا ضعف خمسة منهم، فبموجب حسابات الاحتمال نحكم بوثاقة العدّة في روايتها عن الأحمر؛ لضعف درجة احتمال أن يكون المراد بالعِدّة هم الخمسة الضعاف، وكلّما زاد عدد تلاميذ الأحمر مع زيادة نسبة الثقات فيهم ضعفتْ درجةُ الاحتمال المذكور حتى تصل إلى درجة قريبة من الصفر، لكنّها لاتزول، وكلّما انعكست النسبة، زادت درجة الاحتمال المذكور بحيث يكون احتمال دخول الثقة فيهم قريبا من الصفر.ومع هذا فإنّ تشخيص العدّة أو الحكم باعتبار مرويّاتها بغضّ النظر عن أيّة قرينة خارجيّة، وقصر التعامل معها على ضوء المصطلح الجديد، غير مجد ٍ؛ لأنَّ استقراء تلاميذ الأحمر بالاعتماد على الكافي غير كاف ٍ، لوجود مجموعة اُخرى من مؤلّفات الكليني لم تصل إلينا، ولا نعرف شيئا عن محتواها ولا حجمها، ومع احتمال وجود غيرهم في كتب الكليني الاُخرى ـ خصوصا وأنّ هذا الاحتمال قويّ بقواعد حسابات الاحتمال لوجود مشايخ للكليني لم يروِ عنهم في الكافي ۱ ـ يتعذّر علينا إدخال تلك القواعد في تشخيص رجال العدّة المذكورة، لعدم توفّر عناصر قواعد حسابات الاحتمال، والتي يمكن إجمالها بما يأتي:1 ـ تحديد الوسط المجهول بالاستقراء التامّ، وهو مفقود في المقام.2 ـ بيان نسبة الثقات إلى الضعفاء في هذا الوسط، وأمّا لو كانت العِدّة في أواسط السند، فنحتاج إلى إثبات كون الراوي عن ذلك الوسط المجهول لا يروي إلّا عن ثقة بالاستقراء، وهو لم يثبت حتى بحق الثلاثة (أي: ابن أبي عمير، وابن محبوب، والبزنطي). 3 ـ بيان القيمة الاحتمالية لرواية الكليني عن كلّ فرد من أفراد ذلك الوسط المجهول، بمعنى متابعة رواية الكليني، عن كلّ فرد بعد تشخيصه، ومعرفة نسبتها إلى ما رواه عن غيره من رجال ذلك الوسط خارجا عنه.4 ـ بيان القيمة الاحتمالية للمشايخ الذين روى عنهم الكليني، عن إبراهيم بن إسحاق الأحمر في كتبه الاُخرى المفقودة، وكذلك في كتب الحديث الاُخرى؛ لاحتمال الرواية عنهم في هذا الوسط المجهول على الرغم من عدم وصول أسمائهم إلينا.5 ـ افتراض تساوي الاحتمالات في رواية ثقة الإسلام عن تلامذة إبراهيم بن إسحاق الأحمر، لأنّ مجرّد احتمال عدم رواية الكليني ولو عن واحد من العشرين، أو احتمال كون روايته عنه أكبر من احتمال الرواية عن غيره سيؤدّي إلى خلل كبير في حسابات الاحتمال.فإن توفّرت هذه العناصر، فعندها تُطبَق قواعد حسابات الاحتمال لمعرفة رجال العِدّة المجهولة، وإلّا فستبقى الاستقراءات ناقصة لاتؤدّي إلى المطلوب.ومن هنا يُعلم أنّ الاطمئنان المدّعى بأنّ علي بن محمّد بن عبداللّه بن بندار كان ضمن رجال عِدّة الكافي عن إبراهيم بن إسحاق الأحمر ـ كما في (بحوث حول روايات الكافي) ص: 174 ـ ادّعاءٌ فارغ لا يستند إلّا على ما قاله صاحب (البحوث) نفسه: «من اعوجاج السليقة، وضعف الطريقة».على أنّ هذا لا يعني بتاتا الاعتقاد بكون هذه العِدد مجهولةً عند الكليني، كيف، ورجالها من مشايخه؟ بل هي مجهولة بالنسبة لنا؛ لعدم الاهتداء إلى طريقة اُخرى غير قواعد حسابات الاحتمال التي لم تتوفّر أكثر عناصرها في عمليّة تشخيص رجال تلكم العِدَد، ومع هذا فلا يضر عدم تشخيص العِدد المجهولة في قبول مرويّاتهم لاُمور:الأوّل: المنهج السندي المتين الذي اعتمده ثقة الإسلام بحيث دلّنا على أكثر من طريق لما رواه عن أغلب تلك العِدد المجهولة، وذلك بلحاظ وقوع أحاديثها في أبواب تضمّنت مضامين تلك الأحاديث من طرق معتبرة.الثاني: إنّ افتراض وجود ضعفاء في جملة مشايخ الكليني الذين روى عنهم عن إسحاق بن إبراهيم الأحمر أو غيره ممّن ذكرناه في تلك العِدد المجهولة، لا يبرّر القول بضعف الطريق، لأنّه من المستبعد جدّا أن لا يختار من مثل الشيخ الكليني قدس سرهمن مجموع مشايخه الذين رووا عن اُولئك إلّا الضعفاء منهم وترك ما عداهم من الثقات، الأمر الذي تساعده حسابات الاحتمال بكلّ قوّة، وإن عجزت عن التشخيص، وعلى هذا يكفينا وجود الثقة فيهم وإن لم نعرف اسمه.الثالث: لو فرضنا جدلاً أنّه اتّفق للكليني قدس سره ذلك، فإنّ لفظ (العِدّة) ظاهر في مجموعة من المشايخ وأقلّها ثلاثة أشخاص، واتّفاق ثلاثة من الضعفاء على الرواية عن شخص يجبر ضعف الطريق على قول معروف بين أرباب الدراية.الرابع: إنّ دور اُولئك الضعفاء ـ على فرض اختيارهم دون غيرهم وعدم جبران الطريق باجتماعهم ـ إنّما هو لاتّصال الأسانيد، لتخرج بهم الرواية عن حيّز الإرسال؛ لأنّ ما في الكافي مستخرج من كتب مشهورة عليها المعوّل والاعتماد، ووصولها إلى ثقة الإسلام متواتر، وعلى هذا فلا يضرّ ضعف الطريق المنتخب بالفرض إليها.الخامس: إنّه لا يوجد في مشايخ الكليني رجل ضعيف متّفق على ضعفه، وأقصى ما يقال في القليل منهم أنّه لم يذكرهم الشيخ والنجاشي، وهذا لا يضرّ بوثاقتهم وجلالتهم؛ لاعتناء الشيخ والنجاشي بالمصنّفين دون غيرهم، وبعض مشايخ الكليني ليس من المصنّفين، هذا في حين أنّ أغلب مشايخ الكليني من الفقهاء الأجلّاء المصنّفين والثقات المشهورين، كما مرّ مفصّلاً في تراجمهم.

1.. هناك سبعة مشايخ للكليني لم يرو عنهم في الكافي وهم ـ كما تقدّموا في تراجمهم ـ :۱ ـ إسحاق بن يعقوب الكليني. ۲ ـ علي بن محمّد بن سليمان.۳ ـ محمّد بن أحمد الخفّاف النيسابوري.۴ ـ محمّد بن أحمد بن عبدالجبّار.۵ ـ محمّد بن الحسن الطائي الرازي.۶ ـ محمّد بن علي ، أبو الحسين الجعفري السمرقندي.۷ ـ أبو حامد المراغي.

  • نام منبع :
    حياة الشيخ محمد بن يعقوب الكليني
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث با همکاری سازمان اوقاف و امور خیریه
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1387
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 294998
صفحه از 532
پرینت  ارسال به