405
موسوعة معارف الکتاب و السنّة ج8

موسوعة معارف الکتاب و السنّة ج8
404

فلسفة البغض في اللّه عز و جل

السؤال المهمّ الذي يستحقّ الطرح هنا هو : إذا كان الإسلام هو دين المحبة ويعتبر البغض والحقد في منظاره من الأمراض الخطيرة التي تهدّد حياة الإنسان المادّية والمعنوية ، الفردية والاجتماعية ؛ فلماذا يشجّع أتباعه على البغض والعداء في اللّه ويعتبرهما جزءاً من الإيمان ۱ ، بل أوثق عرى الإيمان ، كما روي عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله :
أوثَقُ عُرَى الإِيمانِ ، الحُبُّ فِي اللّه ِ وَالبُغضُ فِي اللّه ِ . ۲
كما يؤكّد على وجوب بغض الكفّار ، وأصحاب البدع ، والظالمين ، والفاسقين وأمثالهم . ۳
ألا يُعدّ البغض في اللّه مرضاً؟ وأيّ مرض اجتماعي يعالجه بغض الآخرين مهما كان دافعه؟ وما هي المشكلة التي يحلّها؟ وباختصار : ما هي فلسفة البغض في اللّه ؟

معنى البغض في اللّه عز و جل

من أجل معرفة سبب البغض في اللّه ، ينبغي أولاً معرفة معناه . وإذا ما تمّ تفسير البغض في اللّه وبيانه بشكل صحيح ، فإنّ فلسفته ليست بحاجة إلى بيان .
إنّ البغض في اللّه يعني أنّ المبغِض لا يحمل عداءً شخصيّاً للفرد أو المجموعة التي يبغضها ، وأنّ بغضه ليس بسبب مصالح شخصية .
ولذلك ، فإنّ بغض الأعداء وكراهيتهم ، عندما يكون لهما صلة بالحقوق الفردية والمصالح الشخصية ، فسوف تزدهر الكرامة الروحية للإنسان المسلم وتستوجب حسب مذهب أهل بيت الرسالة أن يستبدل البغض والكراهية بالمحبة ، كما جاء في دعاء مكارم الأخلاق في الصحيفة السجادية :
اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ ، وأَبدِلني مِن بِغضَةِ أهلِ الشَّنَآنِ ۴ المَحَبَّةَ ، ومِن حَسَدِ أهلِ البَغيِ المَوَدَّةَ . . . وسَدِّدني لأَِن اُعارِضَ مَن غَشَّني بِالنُّصحِ ، وأَجزِيَ مَن هَجَرَني بِالبِرِّ ، واُثيبَ مَن حَرَمَني بِالبَذلِ ، واُكافِيَ مَن قَطَعَني بِالصِّلَةِ ، واُخالِفَ مَنِ اغتابَني إلى حُسنِ الذِّكرِ . . . ۵
وهذا يعني أنّ الهدف من العداء والبغض اللذين يحملهما أهل الإيمان ليس هو تأمين المصالح الشخصية ، بل إن البغض الذي يحمله الإنسان المؤمن هو في سبيل اللّه لا لنفسه ، وبذلك فإنّ بغضه لا يرجع إلى الأنانية والكبر اللذين يعدّان نوعاً من الأمراض النفسية . وبناءً على ذلك ، فإنّه يوجد اختلاف جوهري وأساسي بين البغض في اللّه والبغض للنفس .
إن البغض للنفس وبدافع تأمين المصالح الفردية والاجتماعية ، هو مصدر كلّ المفاسد والفتن ومظاهر الدمار والهدم ، وأمّا البغض في اللّه فهو ـ مثل الحبّ في اللّه ـ ، مصدر أنواع الخيرات والبركات ومظاهر البناء الفردي والاجتماعي .
وبعبارة اُخرى ، فإنّ البغض في اللّه هو البغض لتأمين مصالح المجتمع ، ذلك لأنّ بغض الإنسان لإنسان آخر لا يمكن أن يكون ذا نفع للّه سبحانه ؛ لأنّه الغنى المطلق . فالإنسان والمجتمع هما اللذان يستفيدان من الحب والبغض في اللّه .
ولا شكّ في أنّ حبّ الأشخاص الذين لا يرحمون المجتمع البشري ، ليس هو عديم الفائدة للمجتمع فحسب ، بل هو مضرّ وخطير للغاية ، كما روي عن الإمام علي عليه السلام :
رَحمَةُ مَن لا يَرحَمُ تَمنَعُ الرَّحمَةَ ، وَاستِبقاءُ مَن لا يُبقي يُهلِكُ الاُمَّة َ. ۶
ولذلك ، فإنّ بغض أعداء اللّه والكفار وأصحاب البدع والظالمين وجميع الأشخاص الذين يمثّلون آفة سلامة المجتمع ، والحدّ من نفوذهم واعتدائهم على حرمة البشرية ، هو في الحقيقة حبٌّ للمجتمع البشري .
وعلى هذا الأساس ، فإنّ فلسفة البغض في اللّه ، هي محاربة موانع ازدهار القيم الإنسانية وتطهير المجتمع من العناصر المتنافية مع القيم . وأهمية هذه المحاربة ليست أقلّ من السعي لإقامة المجتمع على أساس المحبّة ، بل إنها تعتبر جزءاً من هذا السعي .

1.راجع : ص ۴۴۶ ح ۹۸۴۸ .

2.كتاب من لا يحضره الفقيه: ج ۴ ص ۳۶۲ ح ۵۷۶۲، بحار الأنوار: ج ۷۴ ص ۲۳۷ ح ۳۸؛ المصنّف لابن أبي شيبة: ج ۷ ص ۲۲۹ ح ۹۲، كنز العمّال: ج ۱ ص ۴۳ ح ۱۰۵ .

3.راجع : ص۴۴۵ (من ينبغي بغضه / الكافر) وص۴۴۷ (أعداء اللّه ) وص۴۴۸ (المبتدع) و(الظّالم) .

4.الشَنآنُ : البُغض (مفردات ألفاظ القرآن : ص ۴۶۵ «شنأ» ) .

5.الصحيفة السجّادية : ص ۸۲ و ۸۳ الدعاء ۲۰ .

6.غرر الحكم : ج ۴ ص ۹۶ ح ۵۴۳۰ .

  • نام منبع :
    موسوعة معارف الکتاب و السنّة ج8
    سایر پدیدآورندگان :
    المسعودي، عبدالهادي؛ الطباطبائي، محمد کاظم؛ الأفقي، رسول؛ الموسوي، رسول
    تعداد جلد :
    10
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1390
    نوبت چاپ :
    اول
عدد المشاهدين : 231570
الصفحه من 514
طباعه  ارسل الي