15
موسوعة معارف الکتاب و السنّة ج8

4 . دور نظام التكوين في تكامل الإنسان

إنّ التأمّل في ما جاء في الفصل الثاني إلى الفصل الخامس عشر من هذه المجموعة يشير إلى أنّ خالق الوجود قد أودع في نظام التكوين جميع إمكانات التكامل المادّي والمعنوي ومتطلّباتهما من الداخل والخارج ؛ من أجل تكامل الإنسان ، وأنّه قد أسبغ عليه نعمه ظاهرة وباطنة .
على أنّ ما يتداعى من الآية الكريمة : «أَلَمْ تَرَوْاْ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِى السَّمَاوَاتِ وَ مَا فِى الْأَرْضِ وَ أَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَ بَاطِنَةً»۱ ، أنّ الإنسان وُهب من الداخل (الباطن) العقل والفطرة والقُوى الباطنية ، وزُوّد من الخارج بالوحي الذي جاء مُعينا للعقل والفطرة ، وأنّ نظام التكوين سخّر للإنسان ما في السماء والأرض لكي يقطع المسار الذي حدّدته «الفطرة» و«العقل» و«الوحي» له ، وليستفيد من بركات ذلك كلّه ، ويوظّفه لتحقيق تكامله وبلوغ مقصد الإنسانية والكمال المطلق ولقاء اللّه جلّ جلاله.
يتّضح ممّا مرّ أنّ جميع القيم الاعتقادية والأخلاقية والعملية ، وكل ما هو مسخّر للإنسان في الأرض والسماء ، ينطوي على «الخير» و«البركة» . وإذا ما جاء في النصوص الإسلامية ما يصف عددا من ضروب الأخلاق والأعمال الصالحة بأنّها خير ، وإذا ما سجّلت تلك النصوص بأنّ بعض الأمكنة والأزمنة والحيوانات والنباتات والأطعمة والأشربة تتّسم بالبركة ، فإنّ ذلك كلّه لا يعني نفي البركة عمّا سواها من الخصال الحسنة والأعمال الصالحة أو نزعها عن بقيّة الأمكنة والأزمنة وما إلى ذلك ، بل المقصود أنّ هذه تحظى بالبركة أكثر ممّا سواها .

1.لقمان : ۲۰ .


موسوعة معارف الکتاب و السنّة ج8
14

3 . انبثاق البركات المعنويّة من صلب البركات المادّية

من النقاط الاُخرى التي تتّسم بأهميّة فائقة أنّ الرؤية الإسلاميّة لا تكتفي بما للقيم المعنويّة من تأثير في البركات المادّية وما لها من أثر تتركه في التنمية الاقتصادية المستديمة وحسب ، بل ترى أنّ عكس هذه القضية صادق أيضا ؛ بمعنى أنّ البركات المادّية حين تتفتّح في نطاق التعاليم الإسلاميّة تقود إلى تقوية القيم المعنويّة وازدهارها .
على أنّ المنهاج الذي وضعه الإسلام لتكامل الإنسان والمجتمع الإنساني ليس فيه انفصال أساسا بين التكامل المعنوي والتنمية المادّية . من هذا المنطلق ، أخذت البركات المادّية موقعها إلى جوار البركات المعنويّة في الفصول الكثيرة من هذا القسم ؛ وإنّما تتفجّر البركات المادّية من صلب البركات المعنويّة ، وتنبثق البركات المعنويّة من صميم البركات المادّية ، وهكذا .
إنّ القرآن الكريم يؤكّد من جهة بأنّه لو شاع الإيمان في أكناف المجتمع وعمّت التقوى أركانه ، لفاضت على الناس البركات الإلهية وتوالت عليهم من السماء والأرض، ولأخذتهم من بين أيديهم وأحاطتهم من كلّ جانب ؛ بحيث يشهد المجتمع الإنساني من اطّراد البركات المادّية ومن النموّ والازدهار الاقتصادي ما يفوق تصوّره. على هذا جاءت النصوص الإسلاميّة تسجّل صراحة بأنّ لممارسات مثل الصلاة والحجّ والدعاء دورها الذي تنهض به في البركات المادّية والازدهار الاقتصادي .
من جهة اُخرى ، ينظر الإسلام إلى العمل ـ الذي يعدّ واحدا من أهمّ مبادئ التنمية الاقتصادية والبركات المادّية ـ من أجل تأمين متطلّبات الحياة الكريمة على أنه من أفضل العبادات والقيم المعنويّة ؛ حتّى جاء عن النبيّ صلى الله عليه و آله قوله :
العِبادَةُ سَبعونَ جُزءا ؛ أفضَلُها طَلَبُ الحَلالِ. ۱
على هذا الضوء، يتعامل الإسلام مع جميع الجهود التي تُبذل على طريق تحقيق البركات المادّية بوصفها عبادة إذا انطلقت من دوافع صحيحة وسارت باتجاه بناء الإنسان ، وأنّها تساهم في ظهور البركات المادّية والمعنوية بعضا إلى جوار بعض .

1.راجع : التنمية الاقتصادية فيالكتاب والسنّة : ص ۱۶۴ (القسم الثاني / الفصل الثالث : العمل / ما ينبغي للمكتسب / طلب الحلال) .

  • نام منبع :
    موسوعة معارف الکتاب و السنّة ج8
    سایر پدیدآورندگان :
    المسعودي، عبدالهادي؛ الطباطبائي، محمد کاظم؛ الأفقي، رسول؛ الموسوي، رسول
    تعداد جلد :
    10
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1390
    نوبت چاپ :
    اول
عدد المشاهدين : 233249
الصفحه من 514
طباعه  ارسل الي