385
موسوعة معارف الکتاب و السنّة ج3

لقد قدّم الفقيه والمحدّث الكبير الفيض الكاشانيّ رحمه الله خمسةً وعشرين تعليما في رسالة «زاد السالك» أجاب فيها عن رسالة أحد العلماء ، وقد سأله عن كيفيّة سلوك طريق الحقّ ، حيث قال في التعليم الثامن عشر:
إنّ الانشغال بقدرٍ من الأَذكار والأَوراد في أَوقات معيّنة ، ولا سيّما بعد فريضة الصلاة ، وترويض اللسان على ذكر الحقّ تعالى في أَغلب الأَحيان ما أَمكن ، ولو كانت الجوارح منهمكة بأُمور أُخرى فتلك سعادة نِعِمّا ، وأُثر عن الإمام محمّد الباقر عليه السلام أنّ لسانه كان مترطّبا بالكلمة الطيّبة المتمثّلة بالتهليل ؛ قول : «لا إله إلّا اللّه » ، وذلك عند أَكله وكلامه ومشيه وما شابهها . ۱ إذ إنّ هذا ممدّ لكلّ سالك وعون قويّ له ، وإذا اقترن الذكر القلبيّ بالذكر اللسانيّ ، فستفتح له الأَبواب وتُقبل عليه البركات خلال مدّة قليلة ، وعليه أن يسعى في ذكر الحقّ دوما وأَبدا ما استطاع إلى ذلك سبيلاً ؛ لئلّا يغفل عن اللّه سبحانه ، إذ إنّ أَيّ عمل لا يقوم مقام الذكر الدائم في السلوك ، وهذا مدد قويّ في ترك مخالفة الحقّ سبحانه في ارتكاب المعاصي . ۲

2 . أَتمّ مصاديق الذِّكر

الصلاة هي أتمّ مصاديق الذِّكر ، والآية الكريمة «أَقِمِ الصَّلَوةَ لِذِكْرِى»۳ تشير إلى هذه النقطة الدّقيقة ، وإذا اُقيمت الصلاة بآدابها وشروطها وبخاصّة حضور القلب ، فإنّها في الخطوة الأُولى تُبعد جميع الرذائل والأدناس عن الإنسان ، وتجعله متّصفا بصفة التقوى . وفي الخطوة الثانية ، توصل السالك إلى بساط المعرفة الشهوديّة والقرب

1.ومتن الحديث عن الإمام الصادق عليه السلام ، كما يأتي : «كان أبي كثير الذكر . لقد كنتُ أمشي معه وإنّه ليذكر اللّه ، وآكل معه الطعام وإنّه ليذكر اللّه ، ولقد كان يحدّث القوم وما يشغله ذلك عن ذكر اللّه . وكنتُ أرى لسانه لازقا بحنكه يقول : لا إله إلّا اللّه » (الكافي : ج ۲ ص ۴۹۸) .

2.دَهْ رساله (بالفارسية) للفيض الكاشانيّ ، إعداد : رسول جعفريان ص ۸۶ .

3.طه : ۱۴ .


موسوعة معارف الکتاب و السنّة ج3
384

«الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ» . ۱
وقال الإمام الصادق عليه السلام :
ما مِن شَيءٍ إِلّا ولَهُ حَدٌّ يَنتَهي إِلَيهِ ، إِلَا الذِّكرَ فَلَيسَ لَهُ حَدٌّ يَنتَهي إِلَيه ، فَرَضَ اللّهُ عز و جلالفَرائِضَ فَمَن أدّاهُنَّ فَهُوَ حَدُّهُنَّ ، وشَهرَ رَمَضانَ فَمَن صامَهُ فَهُوَ حَدُّهُ ، والحَجَّ فَمَن حَجَّ فَهُوَ حَدُّهُ ، إلَا الذِّكرَ فإنَّ اللّهَ عز و جل لَم يَرضَ مِنهُ بِالقَليلِ ولَم يَجعَل لَهُ حَدّا يَنتَهي إلَيهِ .
ثمّ تلا قوله تعالى : «يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ اذْكُرُواْ اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا» .۲
و فيما يتعلّق بتأثير الذكر في بناء الإنسان ، من الضروريّ الالتفات إلى النقاط الآتية :

1 . استمرار الذكر وديمومته

إنّ ما يُفضي إلى ظهور معطيات الذكر في تطهير القلب وصقله وبلوغ المعرفة الشهوديّة ، هو استمرار الذكر وديمومته ، كما صرّحت به النصوص المتقدّمة ، ولعلّ الخروج من الظلمات والدخول إلى عالم النّور في الآية الثانية والأربعين من سورة الأحزاب بعد كثرة الذكر ، يعود إلى هذا السبب ، قال تعالى :
«يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ اذْكُرُواْ اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا * وَ سَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَ أَصِيلاً * هُوَ الَّذِى يُصَلِّى عَلَيْكُمْ وَ مَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَ كَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا» .۳
من هنا ، فإنّ الذكر الّذي لا ديمومة له ولا يتمكّن من القلب يتعذّر عليه أن يقوم بدور في مسير المعرفة الشهوديّة .

1.آل عمران : ۱۹۱ .

2.الكافي : ج ۲ ص ۴۹۸ ح ۱ عن ابن القدّاح .

3.الأحزاب : ۴۱ ـ ۴۳ .

  • نام منبع :
    موسوعة معارف الکتاب و السنّة ج3
    سایر پدیدآورندگان :
    المسعودي، عبدالهادي؛ الطباطبائي، محمد کاظم؛ الأفقي، رسول؛ الموسوي، رسول
    تعداد جلد :
    10
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1390
    نوبت چاپ :
    اول
عدد المشاهدين : 195161
الصفحه من 575
طباعه  ارسل الي