363
موسوعة معارف الکتاب و السنّة ج3

الصنيعة أوّلاً والصانع ثانيا ، ومنهم : من يراهما معا ، ومنهم : من يرى الصانع أوّلاً ، ومنهم : من لا يرى مع الصّانع غيره . ۱
ولأَجل توضيح هذا التقسيم فإنّنا نذكر مثالاً يوضّح إِلى حدّ ما هذا المطلب : لو كانت لديك مرآة وتريد أن تنظر إلى صورة شيء معيّن فيها ، فإنّك تارةً ترى المرآة أوّلاً ثمّ ترى الصورة ، وتارةً ترى المرآة والصورة معا ، أي عند رؤية الصورة تنتبه إلى المرآة أيضا ، وتارة ترى الصورة أوّلاً ثُمّ تنتبه إلى المرآة ، وتارةً تُمعِن النّظر في الصورة إلى الحدّ الّذي لا تنتبه إلّا إلى الصورة الّتي في المرآة ، فلا ترى شيئا آخر غيرها .
ومع الاعتناء بهذا المثال فإنّه يمكن تقسيم الناس الذين يتمتّعون بالبصيرة العقلية من حيث إدراك تجلّي الخالق في مرآة الخلق إلى أربعة أقسام :
القسم الأوّل : اُولئك الذين يراجعون مرآة الخلق ، فيشاهدون تلك المرآة أوّلاً ، ثُمّ يتجلّى الخالق ثانيا لعقولهم من خلال مطالعة مرآة الخلق وملاحظتها .
القسم الثاني : اُولئك الذين يتمتعون بدقّة الرؤية ، فيعرفون الخالق قبل معرفة القسم الأوّل ، حيث يرون مرآة الخلق والخالق في آنٍ واحد ، وبعبارة اُخرى : إنّهم يرون الخالق في هذه المرآة وبواسطتها ، أي في الوقت الّذي ترى عيونهم الجبل والبحر والشجر وغيرها من الموجودات ، فإنّهم يرون الخالق ـ جلّ وعلا ـ بالبصيرة العقلية .
القسم الثالث : اُولئك الّذين عشقوا الخالق وتولّهوا به إلى درجة أنّهم حينما ينظرون إلى مرآة الخلق يرون الخالق أوّلاً ، ثُمّ ينتبهون إلى الخلق ، فهم يتوصّلون إلى الخلق عن طريق الخالق ، ولا يتوصّلون إلى الخالق عن طريق الخلق .

1.شرح نهج البلاغة لابن ميثم البحراني : ج ۳ ص ۳۸ .


موسوعة معارف الکتاب و السنّة ج3
362

إنّ هذه الحقيقة القرآنية طرحها أميرالمؤمنين عليّ عليه السلام في مواضع مختلفة وبعبارات متعدّدة وبشكلٍ ساحرٍ يستهوي القلوب ، وحديثه عليه السلام في هذا المجال يعدّ من أبلغ البيانات في معرفة اللّه تعالى عن طريق الآيات والدلالات ، ومنها قوله عليه السلام :
الحَمدُ لِلّهِ المُتَجَلّي لِخَلقِهِ بِخَلقِهِ ، وَالظّاهِرِ لِقُلوبِهِم بِحُجَّتِهِ . ۱
قد يمرّ المرء على هذه العبارة مرّ الكرام ، وفي الواقع أنّ روعتها وعمقها في غِنىً عن الشرح والتوضيح ، فإنّ تجلّي الخالق للإنسان ليس بالأمر الّذي يمكن وصفه بالكتابة والكلام ، إنّه أمرٌ ذوقيٌّ نظريّ ، ومن الطبيعي أنّ من سلمت ذائقة روحه وثقبت عين بصيرته مثل أَمير المؤمنين عليّ عليه السلام ؛ فإنّه يعتبر الخلق كلّه مرآة لجمال الخالق وجلاله .

تجلّي الخالق في مرآة الخلق

إنّ إدراك تجلّي الخالق في مرآة الخلق يتناسب شدّةً وضعفا مع ميزان قوّة رؤية الإنسان ، فكلّما كانت موانع المعرفة عنده أقلّ وقوّة الرؤية العقلية والقلبية أكثر ، فإنّ تجلّي الخالق ـ تبارك وتعالى ـ في مرآة الخلق بالنسبة له أكثر إحساسا وأشدّ إدراكا .
إنّ المحقّق البحراني ، في بيانه لأَنواع الإدراكات الإنسانية لتجلّيات الخالق في الخلق ، يُصنّف الناسَ إلى أربعة أصناف ، فيقول :
إنّ تجلّيه يعود إلى إجلاء معرفته من مصنوعاته لقلوب عباده ، حتّى أَشبهت كلّ ذرةٍ من مخلوقاته مرآةً ظهر فيها لهم ، فهم يشاهدونه على قدر قبولهم لمشاهدته وتفاوت تلك المشاهدة بحسب تفاوت أَشعّة أَبصار بصائرهم ؛ فمنهم : من يرى

1.راجع : موسوعة العقائد الإسلامية (معرفة اللّه ) : ج ۳ ص ۱۲۱ ح ۳۵۱۴ .

  • نام منبع :
    موسوعة معارف الکتاب و السنّة ج3
    سایر پدیدآورندگان :
    المسعودي، عبدالهادي؛ الطباطبائي، محمد کاظم؛ الأفقي، رسول؛ الموسوي، رسول
    تعداد جلد :
    10
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1390
    نوبت چاپ :
    اول
عدد المشاهدين : 195069
الصفحه من 575
طباعه  ارسل الي