65
موسوعة معارف الکتاب و السنّة ج1

والحقيقة أنّ القرآن الكريم ينهض بوضع الخطوط الأساسية للدِّين ، على حين تتكفّل السنّة الشريفة ببيان جزئياته . من هذه الزاوية لا يمكن للمعرفة الدينية أن تتحقّق بمفهومها الكامل ، إلّا في ظلّ هداية القرآن ونور السنّة ومن خلالهما معاً ، ومن ثَمّ فإنّ الكتاب والسنّة يعيشان التحاماً لا قطيعة فيه في مضمار المناهج العقيدية والعملية للدِّين ، التي تعبّر عن التكوين النهائي للمعارف القرآنية .
على هذا لا يكفي التعاطي مع الحديث الشريف بوصفه الصيغة التي تعلّم اُسلوب تفسير القرآن والطريقة التي تدلّ على كيفية الاستنباط من بحر هذا الكتاب الربّاني الكريم وحسب ، بل له بالإضافة إلى ذلك دور أساسي ينهض به على مستوى تقديم الصياغة الأخيرة لمناهج الإسلام العقيدية والعملية .

المرحلة الرابعة : معرفة حقائق القرآن

تعبّر مرحلة معرفة حقائق الكتب الإلهية النازلة عن أعلى المراتب المعرفية وأسماها على خطّ التعامل مع الكتب الربّانية الكريمة ، وهي ممّا يختصّ بالأنبياء أنفسهم عليهم السلام : «وَالحَقائِقُ لِلأَنبِياءِ» .
وحين ننظر إلى القرآن الكريم الذي يعدّ أهمّ الكتب الربّانية النازلة والمهيمن عليها جميعاً ، نراه يضمّ بالإضافة إلى العبارات والإشارات واللطائف ، الحقائق التي يختصّ بمعرفتها خاتم النبيّين محمّد بن عبد اللّه صلى الله عليه و آله ، وقد دلّت الأدلّة القطعيّة ۱ أنّ هذه العلوم النبوية انتقلت إلى أهل بيته الكرام ، وهم أوصياؤه والمؤتمنون عليها .
على هذا المعنى تظافرت على إثباته والدلالة عليه أخبار وافرة ، تفيد بأجمعها أنّه لا يرقى إلى مستوى المعرفة الكنهية الشاملة للقرآن الكريم ولا يحيط بعلومه وذراه المعرفية إحاطة كاملة تامّة ، إلّا أهل البيت عليهم السلام . من ذلك :

1.راجع : ج ۶ ص ۲۱۹ (الفصل الرابع / علم أهل البيت عليهم السلام ) .


موسوعة معارف الکتاب و السنّة ج1
64

المرحلة الثالثة : معرفة لطائف القرآن

عندما تتكشّف دقائق القرآن ولطائفه في هذه المرحلة من مراحل المعرفة القرآنية تنبثق الأرضية المناسبة ، وتتهيّأ الأجواء لاستنتاج معارفه السامية وبلوغ ثماره اليانعة ، بيد أنّ هذه المرتبة المعرفية على خطّ الانتفاع بمعارف القرآن هي ممّا يختصّ بأولياء اللّه ، على ما نوّه إليه الإمام السجّاد عليه السلام ، بقوله : «وَاللَّطائِفُ لِلأَولِياءِ» .
وفي سياق بيانه لخصائص أولياء اللّه العارفين بلطائف القرآن ، يقول الإمام عليّ عليه السلام بناء على ما جاء في مصادر حديثية عديدة :
إنَّ أولِياءَ اللّهِ هُمُ الَّذينَ نَظَروا إلى باطِنِ الدُّنيا إذا نَظَرَ النّاسُ إلى ظاهِرِها ، وَاشتَغَلوا بِآجِلِها إذَا اشتَغَلَ النّاسُ بِعاجِلِها ، فَأَماتوا مِنها ما خَشوا أن يُميتَهُم ، وتَرَكوا مِنها ما عَلِموا أنَّهُ سَيَترُكُهُم ، ورَأَوُا استِكثارَ غَيرِهِم مِنهَا استِقلالاً ، ودَرَكَهُم لَها فَوتاً. أعداءُ ما سالَمَ النّاسُ ، وسَلمُ ما عادَى النّاسُ. بِهِم عُلِمَ الكِتاب وبِهِ عَلِموا ، وبِهِم قامَ الكِتابُ وبِهِ قاموا ، لا يَرَونَ مَرجُوّاً فَوقَ ما يَرجونَ ، ولا مَخوفاً فَوقَ ما يَخافونَ. ۱
تُبرز الصيغ التعبيرية في النصّ : «بِهِم عُلِمَ الكِتابُ وبِهِ عَلِموا ، وبِهِم قامَ الكِتابُ وبِهِ قاموا» الدورَ الأساسي الذي ينهض به الحديث في مضمار المعرفة الدينية ، على نحو جليّ ، وفي هذه المرحلة من المعرفة القرآنية تغدق عملية تآصر القرآن والحديث بثمارها ، ويعطي الترابط بينهما معطياته المرجوّة .
وهذه الحصيلة لا تعني أنّ القرآن بدون الحديث مبهم لا يمكن الانتفاع به ، على ما ذهب إليه تيّار من الأخباريّين ، بل هي تعني أنّه لا يمكن بلوغ الصياغة النهائية لمعارف القرآن وعطاياه من دون الحديث .

1.نهج البلاغة : الحكمة ۴۳۲ ، عيون الحكم والمواعظ : ص ۱۶۰ ح ۳۴۳۶ ، بحار الأنوار : ج ۶۹ ص ۳۱۹ ح ۳۶ وراجع : حلية الأولياء : ج ۱ ص ۱۰ وتاريخ دمشق : ج ۴۷ ص ۴۶۶ والدرّ المنثور : ج ۴ ص ۳۷۰ .

  • نام منبع :
    موسوعة معارف الکتاب و السنّة ج1
    سایر پدیدآورندگان :
    المسعودي، عبدالهادي؛ الطباطبائي، محمد کاظم؛ الأفقي، رسول؛ الموسوي، رسول
    تعداد جلد :
    10
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1390
    نوبت چاپ :
    اول
عدد المشاهدين : 281607
الصفحه من 671
طباعه  ارسل الي