المبين من عمق وما يحظى به من جمال لفظ وحلاوة معنى ، إنّما هو قابل للفهم من قبل القاعدة العريضة التي لها دراية باللغة وحسب .
المرحلة الثانية : معرفة إشارات القرآن
إنّ المرحلة الثانية من مراحل المعرفة القرآنية تتمثّل بمعرفة ما ينطوي عليه هذا الكتاب الربّاني من إشارات لا تتيسّر لعامّة الناس ، بل تحتاج إلى التخصّص ، ومن ثَمَّ فإنّ الخواصّ وحدهم هم القادرون على النفوذ إلى هذه الدائرة المعرفية .
يشير الإمام عليّ عليه السلام ، إلى هذه المرحلة بقوله : «وَالإِشارَةُ لِلخَواصِّ» .
توضيح ذلك : إنّه ليس هناك تعارض بين نوريّة القرآن وكونه بياناً وبين علميّته وما يتوفّر عليه من عمق . وبناء على ما روي عن النبيّ صلى الله عليه و آله فإنه يشير إلى عمق معارف هذا الكتاب الإلهي المبين ، بقوله :
لَهُ ظَهرٌ وبَطنٌ ، فَظاهِرُهُ حُكمٌ وباطِنُهُ عِلمٌ ، ظاهِرُهُ أنيقٌ وباطِنُهُ عَميقٌ ، لَهُ نُجومٌ وعَلى نُجومِهِ نُجومٌ ۱ ، لا تُحصى عَجائِبُهُ ، ولا تُبلى غَرائِبُهُ. ۲
في الحقيقة أنّ إشارات القرآن هي السبيل إلى بلوغ معظم معارفه ، ومن ثَمَّ فإنّ القرآن الكريم هو بنفسه مبيّن نفسه ، ينهض بعضه ببيان بعضه الآخر ، كما يومِئ إلى ذلك ما روي عن الإمام عليّ عليه السلام ، حيث قال :
1.قال العلّامة المجلسي رحمه الله : «لعلّ المراد «له نجوم» : أي آيات تدلّ على أحكام اللّه تهتدى بها ، وفيه آيات تدلّ على هذه الآيات وتوضحها . أو المراد بالنجوم الثالث السنّة ؛ فإنّ السنّة توضّح القرآن ، أو الأئمّة عليهم السلام العالِمون بالقرآن ، أو المعجزات ؛ فإنّها تدلّ على حقيقة الآيات» (مرآة العقول : ج ۱۲ ص ۴۷۹) .
2.الكافي : ج ۲ ص ۵۹۹ ح ۲ عن السكوني عن الإمام الصادق عن آبائه عليهم السلام ، تفسير العيّاشي : ج ۱ ص ۳ ح ۱ عن محمّد بن مسعود عن الإمام الصادق عن آبائه عليهم السلام عنه صلى الله عليه و آله ، بحار الأنوار : ج ۹۲ ص ۱۷ ح ۱۶ ؛ كنزالعمّال : ج ۲ ص ۲۸۹ ح ۴۰۲۷ نقلاً عن العسكري عن الإمام عليّ عليه السلام عنه صلى الله عليه و آله نحوه .