379
البضاعة المزجاة المجلد الرابع

خَطَبَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام - وَ رَوَاهَا غَيْرُهُ بِغَيْرِ هذَا الْإِسْنَادِ ، وَذَكَرَ أَنَّهُ خَطَبَ بِذِي قَارٍ - فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنى‏ عَلَيْهِ ، ثُمَّ قَالَ :
«أَمَّا بَعْدُ ، فَإِنَّ اللَّهَ - تَبَارَكَ وَتَعَالى‏ - بَعَثَ مُحَمَّداً صلى اللَّه عليه وآله بِالْحَقِّ لِيُخْرِجَ عِبَادَهُ مِنْ عِبَادَةِ عِبَادِهِ إِلى‏ عِبَادَتِهِ ، وَمِنْ عُهُودِ عِبَادِهِ إِلى‏ عُهُودِهِ ، وَ مِنْ طَاعَةِ عِبَادِهِ إِلى‏ طَاعَتِهِ ، وَمِنْ وَلَايَةِ عِبَادِهِ إِلى‏ وَلَايَتِهِ ، بَشِيراً وَنَذِيراً وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ ، وَسِرَاجاً مُنِيراً، عَوْداً وَبَدْءاً، وَعُذْراً وَنُذْراً، بِحُكْمٍ قَدْ فَصَّلَهُ ، وَتَفْصِيلٍ قَدْ أَحْكَمَهُ ، وَفُرْقَانٍ قَدْ فَرَقَهُ ، وَقُرْآنٍ قَدْ بَيَّنَهُ؛ لِيَعْلَمَ الْعِبَادُ رَبَّهُمْ إِذْ جَهِلُوهُ ، وَلِيُقِرُّوا بِهِ إِذْ جَحَدُوهُ ، وَلِيُثْبِتُوهُ بَعْدَ إِذْ أَنْكَرُوهُ ، فَتَجَلّى‏ لَهُمْ سُبْحَانَهُ فِي كِتَابِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونُوا رَأَوْهُ ، فَأَرَاهُمْ حِلْمَهُ كَيْفَ حَلُمَ ، وَأَرَاهُمْ عَفْوَهُ كَيْفَ عَفَا ، وَأَرَاهُمْ قُدْرَتَهُ كَيْفَ قَدَرَ ، وَخَوَّفَهُمْ مِنْ سَطْوَتِهِ ، وَكَيْفَ خَلَقَ مَا خَلَقَ مِنَ الْآيَاتِ ، وَكَيْفَ مَحَقَ مَنْ مَحَقَ مِنَ الْعُصَاةِ بِالْمَثُلَاتِ ، وَاحْتَصَدَ مَنِ احْتَصَدَ بِالنَّقِمَاتِ ، وَكَيْفَ رَزَقَ وَهَدى‏ وَأَعْطَى وَأَرَاهُمْ حُكْمَهُ ، كَيْفَ حَكَمَ وَصَبَرَ حَتّى‏ يَسْمَعَ مَا يَسْمَعُ وَ يَرى‏ .
فَبَعَثَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - مُحَمَّداً صلى اللَّه عليه وآله بِذلِكَ .
ثُمَّ إِنَّهُ سَيَأْتِي عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِي زَمَانٌ لَيْسَ فِي ذلِكَ الزَّمَانِ شَيْ‏ءٌ أَخْفَى مِنَ الْحَقِّ ، وَلَا أَظْهَرَ مِنَ الْبَاطِلِ ، وَلَا أَكْثَرَ مِنَ الْكَذِبِ عَلَى اللَّهِ تَعَالى‏ وَرَسُولِهِ صلى اللَّه عليه وآله ، وَلَيْسَ عِنْدَ أَهْلِ ذلِكَ الزَّمَانِ سِلْعَةٌ أَبْوَرَ مِنَ الْكِتَابِ إِذَا تُلِيَ حَقَّ تِلَاوَتِهِ ، وَلَا سِلْعَةٌ أَنْفَقَ بَيْعاً وَلَا أَغْلَى ثَمَناً مِنَ الْكِتَابِ إِذَا حُرِّفَ عَنْ مَوَاضِعِهِ ، وَلَيْسَ فِي الْعِبَادِ وَلَا فِي الْبِلَادِ شَيْ‏ءٌ هُوَ أَنْكَرَ مِنَ الْمَعْرُوفِ ، وَلَا أَعْرَفَ مِنَ الْمُنْكَرِ ، وَلَيْسَ فِيهَا فَاحِشَةٌ أَنْكَرَ وَلَا عُقُوبَةٌ أَنْكى‏ مِنَ الْهُدى‏ عِنْدَ الضَّلَالِ فِي ذلِكَ الزَّمَانِ ، فَقَدْ نَبَذَ الْكِتَابَ حَمَلَتُهُ ، وَتَنَاسَاهُ حَفَظَتُهُ، حَتّى‏ تَمَالَتْ‏1 بِهِمُ الْأَهْوَاءُ ، وَتَوَارَثُوا ذلِكَ مِنَ الْآبَاءِ ، وَعَمِلُوا بِتَحْرِيفِ الْكِتَابِ كَذِباً وَتَكْذِيباً ، فَبَاعُوهُ بِالْبَخْسِ ، وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ .
فَالْكِتَابُ وَأَهْلُ الْكِتَابِ فِي ذلِكَ الزَّمَانِ طَرِيدَانِ مَنْفِيَّانِ ، وَصَاحِبَانِ مُصْطَحِبَانِ فِي طَرِيقٍ وَاحِدٍ ، لَايَأْوِيهِمَا مُؤْوٍ2 ، فَحَبَّذَا ذَانِكَ الصَّاحِبَانِ ، وَاهاً لَهُمَا وَلِمَا يَعْمَلَانِ‏3 لَهُ .
فَالْكِتَابُ وَأَهْلُ الْكِتَابِ فِي ذلِكَ الزَّمَانِ فِي النَّاسِ وَلَيْسُوا فِيهِمْ ، وَمَعَهُمْ وَلَيْسُوا مَعَهُمْ ، وَذلِكَ

1.في بعض نسخ الكافي: «غالت». وفي حاشية بعض نسخه: «تمايلت».

2.في بعض نسخ الكافي: «لا يؤدّيهما بمؤدّ».

3.في أكثر نسخ الكافي ومرآة العقول: «يعمدان».


البضاعة المزجاة المجلد الرابع
378

وقوله: (فوجد السوق قد غلقت).
الضمير المستتر في «غلقت» راجع إلى السوق. قال الجوهري: «السّوق يُذكّر ويؤنّث».۱ وقال:
أغلقت الباب فهو مُغلَق، والاسم: الغلق. ومنه قول الشاعر: وبابٌ إذا ما مال للغلق يصرف.
ويقال: هذا من غلقت الباب غلقاً وهي لغة [رديئة] متروكة، وغلّقت الأبواب شدّد للكثرة.۲
وقوله: (رخوة منتنة).
شي‏ء رَخو ورِخوة - بكسر الراء وفتحها - أي هشّ ليّن. وفرش رخوة، أي سهلة مسترسلة.
والنتن: الرائحة الكريهة. وأنتن الشي‏ء فهو منتن.
وقوله: (نحن مياسير إذ ذهبت بنصف يسارنا).
الباء للتعدية، واليسار - بالفتح - : السهولة، والغنى. وأيسر يساراً: صار ذا غنىً، فهو موسر، والجمع: مياسير.
قيل: في الحديث فوائد:
الاُولى: أنّ الصبر على الفقر يوجب الفرج.
الثانية: أنّ ما وجد في جوف السمكة من اللؤلؤة ونحوها فهو لواجده لا للبايع.
الثالثة: أنّه لا ينبغي ردّ السائل عن النعمة المتجدّدة؛ إذ ربّما يكون اختباراً من اللَّه تعالى.
الرابعة: أنّ إعطاء السائل شكر النعمة.۳

متن الحديث الخامس والثمانين والخمسمائة

(خُطْبَةٌ لِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام)

1.الصحاح، ج ۴، ص ۱۴۹۹ (سوق) مع التلخيص.

2.الصحاح، ج ۴، ص ۱۵۳۸ (غلق) مع التلخيص.

3.قاله المحقّق المازندراني رحمة اللَّه عليه في شرحه، ج ۱۲، ص ۵۵۶.

4.في الطبعة القديمة: «سعد».

  • نام منبع :
    البضاعة المزجاة المجلد الرابع
    سایر پدیدآورندگان :
    احمدی جلفایی، حمید ، فاضل البخشایشی، جواد
    تعداد جلد :
    4
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1390
تعداد بازدید : 69650
صفحه از 568
پرینت  ارسال به