37
البضاعة المزجاة المجلد الرابع

العراق أيضاً، مثال الترقوة، وهو الملك والعزّ.۱
وقال المفسّرون: المراد إراءة عجائبها وبدائعها وآثار صنائعها الدالّة على كمال السلطنة والربوبيّة،۲ ثمّ اختلفوا في كيفيّة هذه الإراءة على قولين؛ فقيل: إنّ اللَّه - عزّ وجلّ - أراه الملكوت بحسّ العين، وشقّ له السماوات حتّى رأى العرش والكرسي، وإلى حيث ينتهي إليه العالم الجسماني من جهة الفوق، وشقّ له الأرض إلى حيث ينتهي إلى السطح الآخر من العالم الجسماني، فرأى ما في السماوات والأرض من العجائب والبدائع.
وقيل: هذه الإراءة كانت بعين البصيرة والعقل، لا بالحسّ الظاهر.۳
ويؤيّد الأوّل خبر الكتاب، وما رووا عن ابن عبّاس نحواً من ذلك،۴ وما رواه الصفّار في كتاب البصائر بإسناده عن جابر عن أبي جعفر عليه السلام قال: سألته عن قول اللَّه عزّوجلّ: «وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ» الآية، قال: فكنت مطرقاً إلى الأرض، فرفع يده إلى فوق، ثمّ قال لي: «ارفع [رأسك‏]»، فرفعت رأسي، فنظرت إلى السقف قد انفجر حتّى خلص بصري إلى نور ساطع حار بصري دونه، قال: ثمّ قال لي: «رأى إبراهيم ملكوت السماوات والأرض هكذا»۵ الحديث.
والظاهر أنّ قوله عليه السلام: (عبداً يعبدني) بالنصب على البدليّة من «خلقي»، ويحتمل انتصابه بتقدير: أعني.
(ثمّ التفت) يعني إبراهيم عليه السلام (فرأى جيفة) هي بالكسر حبّة الميّت.
وقيل: كانت تلك الجيفة جثّة حمار.۶(فعند ذلك تعجّب إبراهيم عليه السلام ممّا رأى وقال:«رَبِّ أَرِنِى كَيْفَ تُحْىِ الْمَوْتى‏»).
يدلّ على أنّ سبب هذا السؤال رؤية تلك الجيفة.

1.الصحاح، ج ۴، ص ۱۶۱۰ (ملك).

2.اُنظر: تفسير البيضاوي، ج ۲، ص ۴۲۳.

3.نقل الرازي كلا القولين مع الحجج في تفسيره، ج ۱۳، ص ۴۲ - ۴۵.

4.المصنّف لابن أبي شيبة، ج ۷، ص ۴۴۸، ح ۸؛ وج ۸، ص ۱۰۵، ح ۴؛ جامع البيان، ج ۷، ص ۳۱۹، ح ۱۰۴۸۱؛ تفسير الرازي، ج ۱۳، ص ۴۳.

5.بصائر الدرجات، ص ۴۲۲، ح ۴.

6.قاله المحقّق المازندراني رحمة اللَّه عليه في شرحه، ج ۱۲، ص ۴۲۸ عن ابن جريح.


البضاعة المزجاة المجلد الرابع
36

عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْخَرَّازِ1 ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ :
عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام ، قَالَ : «لَمَّا رَأى‏ إِبْرَاهِيمُ عليه السلام مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ، الْتَفَتَ فَرَأى‏ رَجُلًا يَزْنِي ، فَدَعَا عَلَيْهِ فَمَاتَ ، ثُمَّ رَأى‏ آخَرَ ، فَدَعَا عَلَيْهِ فَمَاتَ حَتّى‏ رَأى‏ ثَلَاثَةً ، فَدَعَا عَلَيْهِمْ فَمَاتُوا ، فَأَوْحَى اللَّهُ - عَزَّ ذِكْرُهُ - إِلَيْهِ : يَا إِبْرَاهِيمُ ، إِنَّ دَعْوَتَكَ مُسْتَجَابَةٌ2 ، فَلَا تَدْعُ عَلى‏ عِبَادِي ، فَإِنِّي لَوْ شِئْتُ لَمْ أَخْلُقْهُمْ ، إِنِّي خَلَقْتُ خَلْقِي عَلى‏ ثَلَاثَةِ أَصْنَافٍ : عَبْداً يَعْبُدُنِي لَا يُشْرِكُ بِي شَيْئاً فَأُثِيبُهُ ، وَعَبْداً يَعْبُدُ غَيْرِي فَلَنْ يَفُوتَنِي ، وَعَبْداً عَبَدَ غَيْرِي فَأُخْرِجُ مِنْ صُلْبِهِ مَنْ يَعْبُدُنِي ، ثُمَّ الْتَفَتَ فَرَأى‏ جِيفَةً عَلى‏ سَاحِلِ الْبَحْرِ ، نِصْفُهَا فِي الْمَاءِ وَنِصْفُهَا فِي الْبَرِّ، تَجِي‏ءُ سِبَاعُ الْبَحْرِ ، فَتَأْكُلُ مَا فِي الْمَاءِ ، ثُمَّ تَرْجِعُ ، فَيَشُدُّ بَعْضُهَا عَلى‏ بَعْضٍ ، فَيَأْكُلُ‏3 بَعْضُهَا بَعْضاً ، وَتَجِي‏ءُ سِبَاعُ الْبَرِّ ، فَتَأْكُلُ مِنْهَا ، فَيَشُدُّ بَعْضُهَا عَلى‏ بَعْضٍ ، فَيَأْكُلُ بَعْضُهَا بَعْضاً .
فَعِنْدَ ذلِكَ تَعَجَّبَ إِبْرَاهِيمُ عليه السلام مِمَّا رَأى‏ ، وَقَالَ : «رَبِّ أَرِنِى كَيْفَ تُحْىِ الْمَوْتى‏»؟ قَالَ : كَيْفَ تُخْرِجُ مَا تَنَاسَلَ الَّذِي‏4 أَكَلَ بَعْضُهَا بَعْضاً؟ «قالَ أَ وَلَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى‏ وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِى» يَعْنِي حَتّى‏ أَرى‏ هذَا كَمَا رَأَيْتُ الْأَشْيَاءَ كُلَّهَا «قالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلى‏ كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً» فَقَطِّعْهُنَّ ، وَاخْلِطْهُنَّ كَمَا اخْتَلَطَتْ هذِهِ الْجِيفَةُ فِي هذِهِ السِّبَاعِ الَّتِي أَكَلَ بَعْضُهَا بَعْضاً ، فَخَلَّطَ، «ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً»5 فَلَمَّا دَعَاهُنَّ أَجَبْنَهُ ، وَكَانَتِ الْجِبَالُ عَشَرَةً» .

شرح‏

السند صحيح.
قوله: (لمّا رأى إبراهيم عليه السلام ملكوت السماوات والأرض) إشارة إلى قوله تعالى: «وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ»۶.
قال الجوهري:
الملكوت من الملك كالرهبوت من الرهبة، يُقال: له ملكوت العراق، ومَلكوةُ

1.في الطبعة القديمة: «الخزّاز».

2.في كلتا الطبعتين: «مجابة».

3.في بعض نسخ الكافي: «وتأكل».

4.في كلتا الطبعتين: «التي».

5.البقرة (۲): ۲۶۰.

6.الأنعام (۶): ۷۵.

  • نام منبع :
    البضاعة المزجاة المجلد الرابع
    سایر پدیدآورندگان :
    احمدی جلفایی، حمید ، فاضل البخشایشی، جواد
    تعداد جلد :
    4
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1390
تعداد بازدید : 69676
صفحه از 568
پرینت  ارسال به