63
شرح فروع الکافي ج5

شرح فروع الکافي ج5
62

باب العلاج للمحرم إذا أصابه جرح أو خراج أو علّة

في الصحاح : «الخراج ما يخرج في البدن من القروح» . ۱ وغرضه قدس سرهبيان جواز التداوي بالمحرّمات وإن كان بعضها موجبا للفدية . وقد سبق أكثر ما ذكر في الباب وبقي منها حلق الرأس ، فقد حكى الشيخ في التهذيب ۲ عن المفيد رحمه الله أنّه قال في المقنعة : «مَن حلق رأسه من أذىً لحقه فعليه دم شاة ، أو إطعام ستّة مساكين ، لكلّ مسكين مُدّان من طعام أو صيام ثلاثة أيّام» ۳ ، وهو منقول عن ابن أبي عقيل وابن الجنيد . ۴
والأصل فيه قوله تعالى : «فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضا أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ» . ۵
وتفسير الصيام والنسك فيه بثلاثة أيّام والشاة متّفق عليه خبرا وفتوى ، واختلف في تفسير الصدقة ، فدلّ مرسلة حريز ۶ على ما ذكر ، ومثلها ما رواه الشيخ عن مثنّى ، عن زرارة ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «إذا اُحصِر الرجل فبعث بهديه فأذّاه رأسه قبل أن ينحر هديه ، فإنّه يذبح شاة مكان الذي اُحصِر فيه ، أو يصوم ، أو يتصدّق على ستّة مساكين ، والصوم ثلاثة أيّام ، والصدقة نصف صاع لكلّ مسكين» . ۷
ويؤكّدهما ما رواه البخاريّ عن عبداللّه بن معقل ، قال : جلست إلى كعب بن عجرة فسألته عن الفدية ، فقال : نزلت فيَّ خاصّة وهي لكم عامّة ؛ حُمِلتُ إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله والقمل يتناثر على وجهي ، فقال : «ما كنت أرى الوجع يبلغ بك ما أرى ، أو ما كنت أرى الجهد بلغ بك ما أرى ، تجد شاة؟ فقلت : لا ، قال : «فصم ثلاثة أيّام أو اطعم ستّة مساكين لكلّ مسكين نصف صاع» . ۸
واكتفى الشيخ في المبسوط ۹ بالمدّ ، وحكاه في الدروس ۱۰ عن المفيد ، وهو المطابق للمقنعة ۱۱ التي عندي . وما حكاه الشيخ عنها أصوب ؛ لصراحة الأخبار المذكورة في المدّين ، ولم أجد خبرا في المدّ .
نعم ، ورد في بعض الأخبار قدر الشبع ، لكن لعشرة ، رواه الشيخ عن عمر بن يزيد ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «قال اللّه تعالى في كتابه : «فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضا أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ»۱۲
، فمن عرض له أذى أو وجع فتعاطى ما لا ينبغي للمحرم إذا كان صحيحا فالصيام ثلاثة أيّام ، والصدقة على عشرة مساكين يشبعهم من الطعام ، والنسك شاة يذبحها ، فيأكل ويطعم ، وإنّما عليه واحد من ذلك» . ۱۳
وجمع الشيخ في كتابي الأخبار بينه وبين ما تقدّم بالقول بالتخيير ، وذهب الشهيد قدس سرهأيضا في اللمعة ۱۴ إلى التخيير ۱۵ المذكور ، لكن عيّن عشرة أمداد للعشرة ، وقوّاه في الدروس ۱۶ ، وبه قال المقداد في كنز العرفان . ۱۷
والتعيين غير مستند إلى ما يعتمد عليه ، والأوّل هو الأظهر ؛ لكثرة أخباره وشهرته بين الأصحاب ، ويؤيّدها ما ورد في طرق العامّة من إطعام ستّة ، ففي كنز العرفان : أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله قال لكعب بن عجرة وقد قمل رأسه : «لعلّك آذاك هوامُّك؟» قال : نعم يارسول اللّه ، قال : «احلق رأسك وصم ثلاثة أيّام ، أو أطعم ستّة مساكين ، أو انسك شاة» . فكان كعب يقول : فيَّ نزلت هذه الآية . ۱۸
وروى البخاريّ عن عبد الرحمن بن أبي ليلى : أنّ كعب بن عجرة حدّثه ، قال : وقف عليَّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله بالحديبيّة ورأسي يتهافت قمّلاً ، فقال : «يؤذيك هوامّك؟» قلت : نعم ، قال : «فاحلق رأسك أو [ قال :] احلق » ، قال : فيَّ نزلت هذه الآية «فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضا أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ»۱۹ إلى آخرها ، فقال النبيّ صلى الله عليه و آله : صم ثلاثة أيّام أو تصدّق بفرق بين ستة أو انسك» . ۲۰
وبسندين آخرين عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن كعب بن عجرة : أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله رآه وقمّله يسقط على وجهه ، فقال : «أتؤذيك هوامّك؟» قال : نعم ، فأمره أن يحلق وهو بالحديبيّة ولم يتبيّن لهم أنّهم يحلّون بها ، وهم على طمع أن يدخلوا مكّة ، فأنزل اللّه تعالى الفدية ، فأمره رسول اللّه صلى الله عليه و آله أن يطعم فرقا بين ستّة أو يهدي شاة أو يصوم ثلاثة أيّام» ۲۱ ممّا تيسّر .
بقي هناك أشياء لابدّ من التنبيه عليها :
أحدها : الظاهر من الآية الكريمة والأخبار وجوب الفدية لمسمّى الحلق ، وبه صرّح جماعة من الأصحاب منهم الشيخ ، والظاهر وفاقهم عليه ، وخالف فيه العامّة ، ففي الخلاف :
حدّ ما يلزم فيه الفدية ما يقع عليه اسم الحلق ، وحدّه الشافعي بثلاث شعرات فصاعدا إلى جميع الرأس ، وقال أبو حنيفة بحلق ربع الرأس ، وإن كان أقلّ من الربع فعليه الصدقة . ۲۲
وثانيها : إطلاق المدّين يشمل غير الحنطة من القوت الغالب ، وفسّره طاب ثراه بأي جنس من الطعام ، خلافا لأبي حنيفة حيث قال : يجب مدّان من الحنطة وصاع من التمر والزبيب ، وقال أحمد : مدّ من البُرّ ومدّان من غيره . ۲۳
وثالثها : يستفاد من الآية الكريمة ومن الأخبار المذكورة اختصاص ما ذكر من الفدية بما إذا كان الحلق لأذىً ، ولم أجد نصّا صريحا في غيره .
نعم ، ورد في بعض الأخبار الدم خاصّة في الحلق من غير تقييد بالأذى ، وظاهره تعيّنه ، منها : صحيحة زرارة ۲۴ ، ومثلها صحيحة زرارة ۲۵ المتقدِّمة ، فلا يبعد القول به فيما إذا لم يكن الحلق لأذىً ؛ للجمع ، لكنّه خلاف ما ذهبوا إليه ، فإنّهم ذهبوا إلى التخيير مطلقا على ما يظهر من المنتهى ، ففيه :
أجمع علماء الأمصار كافّة على وجوب الفدية على المحرم إذا حلق رأسه متعمّدا إلى قوله ـ : والفدية تتعلّق بمَن حلق رأسه ، سواء كان لأذى أو لغير أذى ؛ لأنّ الآية دلّت على إيجاب الكفّارة على من حلق لأذى ، وكذا الأحاديث ، فمن حلق لغير أذى كان وجوب الكفّارة في حقّه أولى . ۲۶
وفي موضع آخر منه : «التخيير في كفّارة الحلق بين الثلاثة قول علمائنا أجمع» . ۲۷
قوله في مرسلة حريز : (وكلّ شيء في القرآن ، فإن لم يجد فعليه كذا فالأوّل الخيار) . [ ح 2 / 7299] الظاهر أنّه سقط من البين شيء من قلم المصنّف قدس سره أو الرواة أو النسّاخ . فإنّ الشيخ قدس سرهروى الخبر بعينه في التهذيب والاستبصار بسند آخر صحيح عن حريز ، عن أبي عبداللّه عليه السلام بلا إرسال ، وفيه : «وكلّ شيء في القرآن أو فصاحبه بالخيار ، يختار ما شاء ، وكلّ شيء في القرآن ، فمن لم يجد فعليه كذا ، فالأوّل بالخيار» . ۲۸
قوله في حسنة عبداللّه بن يحيى الكاهليّ : (قال : آخذ خرقتين فاربّعهما) . [ ح 3 / 7300] الظاهر أنّه من التربيع ، وأنّه استعمل هنا في المعنى المتعارف عند النسوان في عقد المنديل على الرأس وتعصيب العصابة ، ويقال له بالفارسيّة : «چهارته» ، وقيل : إنّه من ربعتُ الحجر ، إذا رفعته امتحانا للقوّة .

1.صحاح اللغة ، ج ۱ ، ص ۳۰۹ (خرج) .

2.تهذيب الأحكام ، ج ۵ ، ص ۳۳۳ ، ذيل الحديث ۱۱۴۶ .

3.المقنعة ، ص ۴۳۴ ، و كان في الأصل : «كلّ مسكين مدين ...» فصوّبته حسب المصدر .

4.حكاه عنهما العلّامة في مختلف الشيعة ، ج ۴ ، ص ۱۶۶ .

5.البقرة (۲) : ۱۹۶ .

6.هي الحديث الثاني من هذا الباب .

7.تهذيب الأحكام ، ج ۵ ، ص ۳۳۴ ، ح ۱۱۴۹ ؛ الاستبصار ، ج ۲ ، ص ۱۹۶ ، ح ۶۵۸ ؛ وسائل الشيعة ، ج ۱۳ ، ص ۱۶۷ ، ح ۱۷۴۹۶ .

8.صحيح البخاري ، ج ۲ ، ص ۲۰۸ ۲۰۹ .

9.المبسوط ، ج ۱ ، ص ۳۴۹ ۳۵۰ .

10.الدروس الشرعيّة ، ج ۱ ، ص ۳۸۲ ، الدرس ۱۰۱ .

11.المقنعة ، ص ۳۶۵ ، و المذكور فيها : «مدّ» و نقل في هامشه عن نسختين منها : «مدّين» .

12.البقرة (۲) : ۱۹۶ .

13.تهذيب الأحكام ، ج ۵ ، ص ۳۳۳ ۳۳۴ ، ح ۱۱۸۴ ؛ الاستبصار ، ج ۲ ، ص ۱۹۵ ۱۹۶ ، ح ۶۵۷ ؛ وسائل الشيعة ، ج ۱۳ ، ص ۱۶۶ ۱۶۷ ، ح ۱۷۴۹۵ .

14.شرح اللمعة ، ج ۲ ، ص ۳۶۳ .

15.في الأصل : «بالتخيير» .

16.الدروس الشرعيّة ، ج ۱ ، ص ۳۸۱ ۳۸۲ ، الدرس ۱۰۱ .

17.كنز العرفان ، ج ۱ ، ص ۲۸۹ .

18.نفس المصدر ، و تقدّم الحديث عن صحيح البخاري .

19.البقرة (۲) : ۱۹۶ .

20.صحيح البخاري ، ج ۲ ، ص ۲۰۸ .

21.صحيح البخاري ، ج ۲ ، ص ۲۰۹ .

22.الخلاف ، ج ۲ ، ص ۲۳۸ ، المسألة ۹۸ . وانظر : فتح العزيز ، ج ۷ ، ص ۳۷۸ و ۴۳۸ و ۴۶۶ ؛ بدائع الصنائع ، ج ۱ ، ص ۵ و ۱۱۷ ؛ و ج ۲ ، ص ۱۸۷ ؛ المغني لابن قدامة ، ج ۳ ، ص ۵۲۱ ؛ الشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة ، ج ۳ ، ص ۲۶۳ ۲۶۴ ؛ المجموع للنووي ، ج ۷ ، ص ۳۷۴ .

23.اُنظر : عمدة القاري ، ج ۱۰ ، ص ۱۶۳ .

24.تهذيب الأحكام ، ج ۵ ، ص ۳۶۹ـ ۳۷۰ ، ح ۱۲۸۷ ؛ وسائل الشيعة ، ج ۱۳ ، ص ۱۵۷ ، ح ۱۷۴۷۲ .

25.وسائل الشيعة ، ج ۱۳ ، ص ۱۶۷ ، ح ۱۷۴۹۶ .

26.منتهى المطلب ، ج ۲ ، ص ۸۱۴ ۸۱۵ .

27.منتهى المطلب ، ج ۳ ، ص ۸۱۵ .

28.تهذيب الأحكام ، ج ۵ ، ص ۳۳۳ ، ح ۱۱۴۷ ؛ الاستبصار ، ج ۲ ، ص ۱۹۵ ، ح ۶۵۶ ؛ وسائل الشيعة ، ج ۱۳ ، ص ۱۶۵ ۱۶۶ ، ح ۱۷۴۹۴ .

  • نام منبع :
    شرح فروع الکافي ج5
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقيق : المحمودی، محمد جواد ؛ الدرایتی محمد حسین
    تعداد جلد :
    5
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 172321
صفحه از 856
پرینت  ارسال به